الاثنين 13 أيار 2024 08:42 ص

كيفية تجنّب "الفيتو" الأميركي بوجه الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة؟


* المحامي د. إبراهيم العرب

إن أي دولة، كالدولة الفلسطينية، تنشأ من الناحيتين السياسية والاجتماعية باستكمال عناصرها الثلاثة: "الشعب والإقليم والسلطة السياسية"، فتلك العناصر التي تضمن الاستقرار ودوام النظام.
ولكن الاعتراف بالدولة، كما هو حاصل مع الدولة الفلسطينية التي اعترفت بها مؤخراً 144 دولة هو حدث مهم جداً في حياتها، لأنها لا تستطيع أن تمارس سيادتها الخارجية وتتمتع بحقوقها الكاملة تجاه مجموعة الدول إلّا عندما يُعترف بها.
فقد عرّف مجمع القانون الدولي الاعتراف بالدولة بأنه التصرّف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود جماعة بشرية، فوق إقليم معيّن، تتمتع بتنظيم سياسي واستقلال كلّي، وتقدر على الوفاء بالتزامات القانون الدولي.
وبهذا تعبّر الدولة أو الدول عن نيّتها في اعتبار هذه الجماعة الجديدة عضواً في الأسرة الدولية.
ولكن معظم الفقهاء يأخذون اليوم بالنظرية المقررة للدولة، أي التي تعتبر أن الاعتراف إقراراً من الدول بالأمر الواقع. فقد اعتبر مجمع القانون الدولي في العام 1936 أن الاعتراف بالدولة هو مجرّد صفة إقرارية لا صفة إنشائية، كما أُكد سابقاً في العام 1932، لجهة أن الاعتراف لا يعطي الدولة استقلالها أو وثيقة تعميد دبلوماسية. وعلى هذا الأساس حينها قررت بريطانيا، في 6 كانون الثاني/يناير 1950، الاعتراف بالجمهورية الشعبية الصينية.
والاعتراف قد يكون فردياً كما يحصل يومياً مع دولة فلسطين، بحيث تقوم به كل دولة على حدة، وقد يكون أيضاً جماعياً عن طريق مؤتمر دولي أو معاهدة دولية أو هيئة الأمم المتحدة، فمؤتمر لندن للعام 1931 اعترف ببلجيكا، ومؤتمر القسطنطينية للعام 1832 اعترف باليونان، ومؤتمر باريس للعام 1919 اعترف ببولونيا وتشيكوسلوفاكيا.
لكن بالطبع طريقة الاعتراف الجماعي كتلك التي تصدر عن هيئة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي تكون أكثر فعالية وضماناً من الاعتراف الفردي.
فعلى سبيل المثال، بولونيا وتشيكوسلوفاكيا اعترفت بهما مجموعة كبرى من الدول دفعة واحدة كما سبق وذكرنا، أما ليبيا والصومال فقد اعترف بهما كدولتين مستقلتين بعمل من الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.
مع الأخذ بعين الاعتبار، أنه إذا قُبلت دولة جديدة عضواً في إحدى المنظمات أو الهيئات الدولية فإن هذا القبول هو في حكم الاعتراف الجماعي إذا تم بإجماع الدول الأعضاء. ولكن إذا كان القبول محل اعتراض بعض الدول، وكان قد تمّ الاعتراف من قبل الأغلبية المطلوبة، فإن الدول المعترضة لا تعتبر أنها أسهمت في هذا الاعتراف.
وفيما يتعلق بالاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة، فعلى الرغم من مظلومية الدولة الفلسطينية التي لم يُعترف بها حتى الآن رغم صدور قرار الجمعية العامة رقم 181 منذ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، نجد بأنه بين عامي 1990 و1999 فقط انضم لهيئة الأمم المتحدة نحو 32 دولة متناهية الصغر: "كإمارة لختنشتاين التي انضمت عام 1990 والتي تقع بين النمسا وسويسرا وعدد سكانها 35 ألفاً ومساحتها 160 كيلومترا مربعا، وكإمارة موناكو التي انضمت في العام 1993 وسكانها أقل من 35 الفاً ومساحتها 2 كيلومتر مربع، وكإمارة أندورا التي انضمت أيضاً للأمم المتحدة 1993 وتقع بين فرنسا وإسبانيا ومساحتها 450 كيلومترا مربعا، وكجمهورية نورو التي انضمت عام 1999 ومساحتها 21 كيلومتراً مربعاً وعدد سكانها 12 ألف نسمة، وكجمهورية كيريباتي التي انضمت عام 1999 وعدد سكانها 95 ألفاً ومساحتها 730 كيلومتراً مربعاً، وكمملكة تونغا التي انضمت عام 1999 وعدد سكانها مئة ألف نسمة ومساحتها 750 كيلومتراً مربعاً".
أما حالياً، فقد طالبت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة مجلس الأمن الدولي إعادة النظر في إصدار توصية إيجابية تمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الهيئة الأممية، بما يتناسب مع الإجماع والزخم الدولي الذي أسس له قرار الجمعية العامة الصادر بموافقة 143 دولة عالمية، ذلك أن الفيتو الأميركي الذي صدر في الشهر الماضي والذي حال دون صدور التوصية الإيجابية من قبل مجلس الأمن، كان مجحفاً إذ أن فلسطين تستوفي كل شروط القبول، لا سيما أنها نالت منذ عام 2012 صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، وهي عضو في أكثر من 120 اتفاقية ومنظمة دولية، ومنضمة إلى نظام روما الأساسي لـ"المحكمة الجنائية الدولية" منذ عام 2014، وهي دولة مستقلة ومحبة للسلام وقادرة على الإيفاء بالتزاماتها التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة وراغبة بتنفيذها، وهذا ما أكدته 12 دولة في مجلس الأمن بتاريخ 18 نيسان/إبريل الماضي، كانت راغبة لولا الفيتو الأميركي بإصدار توصية إيجابية للجمعية العامة بقبول فلسطين عضواً في الأمم المتحدة.
ومن الطبيعي أن تحظى دولة فلسطين بتوصية الجمعية العامة لمجلس الأمن الدولي لإعادة النظر بموقفه، من قبل أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية، لا سيما أن 144 دولة حول العالم تعترف بالدولة الفلسطينية، ومن هنا تكمن أهمية الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة التي حثت بصورة غير مباشرة الولايات المتحدة الأميركية بعدم استعمال "الفيتو" مجدداً لإعاقة صدور توصية إيجابية بقبول دولة فلسطين عضواً في هيئة الأمم المتحدة، خصوصاً في ضوء الفتوى الصادرة عن "محكمة العدل الدولية" بتاريخ 28 أيار/مايو 1948، وبما يتوافق مع المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، كما أن دعوة الجمعية العامة بهذه التوصية لمجلس الأمن، تحاول حكماً منح دولة فلسطين حقوقاً وامتيازاتٍ كاملة تستحقها لضمان مشاركتها في دورات وأعمال الجمعية والمؤتمرات التي تعقدها، والتصويت فيها، ولمشاركتها أيضاً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وغيره من الأجهزة المتخصصة والكيانات ذات الصلة داخل منظومة الأمم المتحدة.
ولكن في حال أمعنت الولايات المتحدة مجدداً بتعطيل عمل هيئة الأمم المتحدة من خلال ممارستها حق النقض مجدداً بوجه إصدار توصية إيجابية بقبول عضوية فلسطين، مخالفةً إرادة أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العامة وأغلبية أعضاء مجلس الأمن، فبإمكان الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار لاحق أن تتجاوز نصوص الميثاق وتطوّر اختصاصاتها الأساسية على حساب مجلس الأمن، وفقاً للعرف الحاصل بالسابق عندما كان الاتحاد السوفياتي يستعمل حق النقض للوقوف في وجه السياسة الأميركية والحدّ من توسّعها وسيطرتها، إذ وجدت واشنطن أن لا سبيل للتخلص من تصرفات موسكو إلا بالعمل على تحويل اختصاصات مجلس الأمن السياسية إلى الجمعية العامة التي تصدر قراراتها بالأغلبية والتي لا يتحكم الاتحاد السوفياتي السابق إلا بأقلية ضئيلة من أعضائها.
وتحقيقاً لهذا الغرض أخذت واشنطن حينها دور المبادرة في إقرار مشروع الاتحاد من أجل السلام أو قرار "اتشيسون"، الذي اتخذته الجمعية العامة بتاريخ 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1950 تتغلب على جمود مجلس الأمن وعجزه عن اتخاذ القرارات العاجلة بسبب كثرة استعمال حق النقض.
وقد اتخذ القرار بناء على اقتراح المندوب الأميركي وفي غياب المندوب السوفياتي، والقرار نص على أنه في حال فشل مجلس الأمن عن القيام بمسؤولياته في حفظ الأمن الدولي نظراً لعدم توافر إجماع الأعضاء الدائمين فيه، فإن للجمعية العامة أن تجتمع فوراً ولو في دورة استثنائية طارئة، للبحث في المسألة لتقدم إلى الأعضاء التوصيات اللازمة حول التدابير التي يجب اتخاذها، وحتى لو وجب الأمر في بعض الأحيان إلى استعمال القوة المسلحة.
وبذلك يصبح بإمكان الجمعية العامة أن تحلّ محل مجلس الأمن عند عجزه ووجود حالة تهديد للسلم، وأن تجتمع بناء على طلب الأغلبية فيها أو على طلب تسعة أعضاء في مجلس الأمن، باعتبار المسألة إجرائية.
كما يمكنها اتخاذ قرارات مشابهة للقرارات التي يأخذها مجلس الأمن، حتى وفقاً للفصل السابع من الميثاق، كدعوة الأعضاء إلى استخدام التدابير القسرية ومنها القوة المسلحة.
وعليه، فقرار الاتحاد من أجل السلام يضع عملياً الجمعية العامة ومجلس الأمن العاجز على قدم المساواة، بما في ذلك حالة الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، طالما أن هنالك حالة تهديد إسرائيلي للسلم وإخلال به ووقوع إبادة جماعية في قطاع غزة، ناهيك عن ارتكاب الكيان المحتل لجرائم حرب وضد الإنسانية بإقفاله لجميع المعابر، كمعبري رفح وكرم أبو سالم ومنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية للغزاويين، لا سيما سكان رفح وشمال قطاع غزة.
وما يؤكد صوابية هذا الخيار، أن الاتحاد السوفياتي السابق، كان قد غيّر مواقفه تجاه استخدام قرار الاتحاد من أجل السلام فيما بعد، عندما اقترح في العام 1954 على الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخاذ قرار بتحريم الأسلحة الذرية، وهو نفسه الذي اقترح لاحقاً عقد دورة طارئة للجمعية العامة في حزيران/يونيو 1967 لإدانة الهجوم الإسرائيلي على الدول العربية بعد عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار حاسم في هذا الشأن.
كذلك ففي فترة منصرمة، وتحديداً بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر 1956 عندما استعملت بريطانيا وفرنسا حق النقض في مجلس الأمن ضد قرار وقف العدوان الثلاثي على مصر، اقترح المندوب اليوغوسلافي آنذاك دعوة الجمعية العامة تطبيقاً لقرار الاتحاد من أجل السلام، فحظي بالقبول، واجتمعت الجمعية العامة في أول تشرين الثاني/نوفمبر واتخذت قرار وقف إطلاق النار فوراً، وانسحاب المعتدين وتكوين قوة طوارئ دولية، كما أُثير القرار في العام 1958 عند إنزال الجيوش الأجنبية في لبنان والأردن، كما نذكّر الرأي العام أيضاً أن قرار الاتحاد من أجل السلام استخدم في أزمة المجر وأزمة الكونغو وأزمة قبرص.
نخلص بالقول أن الدول الكبرى اكتشفت أنها أثقلت كاهل مجلس الأمن بكثرة استعمال حق النقض فيه، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجرائم الكيان الصهيوني، ولذلك كان العمل الإيجابي والتأثير البناء في الرأي العام العالمي يتجه نحو الجمعية العامة التي لا يمكن تعطيل دورها والإساءة لسمعتها على الصعيد الدولي.
والحقيقة أن عملية توسيع اختصاص الجمعية العامة لم تقف عند حدود مجلس الأمن، وإنما امتدت إلى صلاحيات مجلس الوصاية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وسائر الوكالات المتخصصة المرتبطة بالأمم المتحدة، ونتوقع لها كأي جهاز رئيسي في منظمة دولية أن تتبوأ مركز الصدارة والزعامة والثقل الذي تستحق في المستقبل، خصوصاً إذا ما أخذت قراراً بالاعتراف بالعضوية الكاملة للدولة الفلسطينية وبإيقاف إطلاق النار الشامل في غزة في القريب العاجل بإذن الله.

المصدر :اللـواء