الجمعة 10 شباط 2017 10:14 ص

مماطلة في الأخطاء الطبية... وحاصباني يعد بالملاحقة


أسماء "لمعت" بعد أن انطفأ أو بهت نورها، ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي لأيام، تعاطفت معها وسائل الاعلام، تداولت خبر وفاتها أومعاناتها واتهامات عائلتها لطبيب قضى على فلذة كبدها بسبب خطأ طبي أو اهمال، قبل ان ينسى الامر من دون معرفة ما آلت اليه التحقيقات التي فتحت في الملف.
آخر اسم سطع كان للطفلة مينيسا حسن علي التي بتر اصبعها، على يد ممرضة ارادت قص الشريط اللاصق بهدف تغيير المصل، وقبلها الطفلة ليا مكرزل التي اتهمت عائلتها مستشفى بالتسبب بوفاتها لعدم استقبالها من دون ضمان أو تأمين فتوفيت بعدما اجبروا على نقلها الى مستشفى آخر، وقبلها تيا رنو التي دخلت المستشفى للعلاج من ارتفاع حرارة جسدها فخرجت منه في نعش، كذلك سوزان منصور التي سلمت الروح نتيجة عملية تجميلية، ووائل عمار الذي خرج من المستشفى الى مثواه الاخير بعد عملية "ربط معدة".

لائحة الاسماء تطول، لكن يبقى اسم ايلا طنوس التي فقدت اطرافها الاربعة نجم مضيء في ملف الاخطاء الطبية الذي يقلق اللبنانيين، وعلى الرغم من انتهاء التحقيق مع كل الجهات المعنية والاطباء لكن الى الآن لم يصدر القاضي قراره الظني، والد ايلا المهندس حسان طنوس قال لـ"النهار" ان "هناك مماطلة مستمرة من المستشفيات وبغطاء من القضاء منذ أكثر من عام كأنها مسرحية يتم فيها توزيع الادوار. وزارة الصحة وضعت تقريرها النهائي الذي حمّل بشكل واضح مسؤولية ما حصل معها الى الطبيب ع.م . والمستشفى الذي يعمل فيه اضافة الى مستشفى رفض استقبالها، كما صدر تقريران عن القضاء، الأول من البروفسور أمين قزي الذي حمّل المسؤولية الى المستشفيين والطبيب، واعتبرهم مسؤولين عن عملية البتر وتقرير ثان عن اللجنة التي يترأسها البروفسور شرف ابو شرف والتي تبنت تقرير قزي مضيفة عليه وجود اخطاء جسيمة ارتكبت في مستشفى في بيروت".

منذ أيام، تم تأجيل جلسة ايلا الى 21 شباط ولفت طنوس الى انه " لم يحضر ممثلون للمستشفى الذي تبلغ للمرة الثالثة، ولم يتخذ القاضي اي اجراء بحقهم، كما لم تحضر اللجنة الطبية، فقرر ان يرسل الاسئلة التي تريد طرحها (مستشفى في بيروت) الى منازل افراد اللجنة ليجيبوا عليها، وقد اعطى المستشفى مهلة ثلاثة ايام لتحضير الأسئلة، من دون ان يحدد للجنة فترة زمنية للاجابة عليها، وهذه سابقة لم تحصل في تاريخ القضاء اللبناني".

بين خوض المعركة والانسحاب

من الوفاة على أبواب المستشفيات الى الموت تحت المشرط، الى عاهة ابدية، جعلت المريض يخشى من مصير كارثي كون حياته تحت رحمة طبيب هو في النهاية انسان قد يخطئ وقد يصيب. عشرات الشكاوى تقدم سنوياً الى وزارة الصحة ونقابة الاطباء والقضاء، بعض الحالات وصلت الى خواتيم منها قضية سوزان منصور حيث اصدر وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور، في شهر تشرين الاول الماضي قرارا يقضي بتوقيف ثلاثة أطباء لارتكابهم ممارسات طبية خاطئة، أدت إلى وفاتها في مستشفى صور الحكومي، وذلك بعدما تقدّمت عائلتها بشكوى أمام القضاء، العائلة لم تيأس في معركتها ضد من اتهمتهم بقتل ابنتها، على عكس عائلة تيا رنو حيث فقد والدها الأمل في الوصول الى نتيجة، وقال في اتصال مع "النهار": " لم ولن اتابع القضية، التحقيق مستمر في نقابة الاطباء، من جانبي وكلت امري الى الله، العزيز رحل، خسارتي كبيرة، وانا لا اخذ فدية، ولكن ان اظهر التحقيق ان هناك خطأ طبيا عندها ساكلف محامياً لسجن الطبيب".

من جهتها، تنتظرعائلة عمار صدور قراراً بقضية وفاة ابنها وائل، وبحسب محاميها هاني مراد فان "نقابة الاطباء لم تضع تقريرا بالحادث، والمستشفى امتنع عن اعطائنا صورة عن الملف، ما دفعنا الى التقدم بشكوى امام النيابة العامة الاستئنافية في بعبدا بجرم التسبب بوفاة بوجه الطبيب الذي حضر بعد مماطلة برفقة مندوب من النقابة الى التحقيق، بعدها طلب المدعي العام تعيين طبيب شرعي وطلب من الطبيب تقديم تقريره الطبي والى الان لم تحصل اي خطوة اضافية".

ولفت في اتصال مع "النهار" الى ان"الاهمال لا يكمن فقط بالتسبب في الوفاة خلال العملية لكن بالتعامل مع الاهل بعد وفاة ابنهم والامتناع عن اعطائهم تقريرا طبيا لمعرفة سبب وفاته وهذا بحد ذاته جريمة كونه يلحق بهم الضرر المعنوي".

النقيب يوضح الاخطاء

عرّف الفقهاء الخطأ الطبي بأنه" كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها القانون العام، والمتعارف عليها نظرياً وعملياً وقت تنفيذه العمل الطبي، أو إخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة التي يفرضها القانون وواجبات المهنة على الطبيب، متى ترتبت على فعله نتائج جسيمة، في حين كان في قدرته، وواجباً عليه، أن يكون يقظاً وحذراً في تصرفه حتى لا يضر بالمريض"، لكن أمورا عدة متداخلة عند الجمهور فيما يتعلق بالخطأ الطبي شرحها نقيب الاطباء ريمون صايغ لـ"النهار" حيث قال: "هناك ظروف طبيّة تحصل من دون ان يكون هناك خطأ، مذكورة في الكتب ومحدد لها نسبة معينة، فاي عمل طبي نقوم به له بيئة ظرفية قد تحصل من دون خطأ، كما ان التأخير او عدم تشخيص المرض ليس خطأ فقد تكون الحالة معقدة ومتسارعة وقد تحتاج الى دخول مستشفى لتشخيصها، في المقابل هناك خطأ طبي سببه الاهمال كأن لا يعطي الطبيب المريض حقه بوضع كل الامكانات بتصرفه وهذا الامر يعاقب عليه عادة، وهناك عدم الكفاءة التي نعتبرها خطأ، كون الطبيب تعدّى كفاءته، بالاضافة الى وجود الخطأ الاخلاقي عندما يبتغي الطبيب مثلا الربح المادي فيصف علاجا لمريض وهو ليس بحاجة له، وهذا الامر يعاقب عليه".

الوزير...أسس دولية عما قريب
وزارة الصحة ستتبع الاسس الدولية في التعامل مع الأخطاء الطبية، بحسب ما قاله الوزير غسان حاصباني لـ"النهار" والذي شرح ان "الاخطاء الطبية قد تحصل اما من الطبيب او المستشفى وهناك سلسلة طويلة تبدأ من علاج المريض، لذلك نحن نعمل على وضع الآليات المناسبة بالتعاون مع النقابات المختصة للتدقيق في كل الحالات مع تفعيل اللجان المختصة في هذه المواضيع تحت اطر تنظيمية واضحة ضمن سقف القانون اللبناني". واضاف ان "الاخطاء الطبية ليست عملية استنسابية او موضوع رأي لذلك يجب ان تعالج بموضوعية وبالقانون وهذا ما سنريد اتباعه خاصة في آليات التحقيقات من قبل الجهات التي يفترض ان تكون صاحبة اختصاص".

وعن الملفات القديمة التي لم يبت بها بعد، أجاب: "يوجد تراكمات كبيرة بسبب الية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، اضافة الى مرحلة تصريف الاعمال، امامنا ملفات مختلفة على الطاولة نعمل على معالجتها، وما يحتاج منها الى طرح على مجلس الوزارء سنقوم بذلك لاتخاذ القرارات المناسبة، وقريبا سيكون لنا تباعا اطلاق مبادرات ونشاطات وتنفيذ خطط للمستقبل للاستمرار في بناء ما وضع اسسه سابقا في هذه الوزارة، نعم كان هناك عمل ايجابي سنعمل على استمراريته ضمن الامكانات المتاحة في الدولة اللبنانية".

هكذا يعاقب الطبيب
يخضع الطبيب لأحكام قانون الآداب الطبية رقم ٢٨٨/١٩٩٤، إضافةً إلى أحكام القواعد العامة التي ترعى المسؤولية المدنية التي حددتها القواعد على أساس ارتكاب خطأ طبي أدى إلى إلحاق الضرر بالمريض، ولِأحكام المسؤولية الجزائية الواردة في قانون العقوبات في المرسوم الاشتراعي رقم ٣٤٠/١٩٤٣، تبعاً للمادة ٥٦٤ التي تنص انه في حال تسبب الطبيب بموت أو أذى للمريض بسبب إهمال يُعتبر فعل الطبيب جرمياً، لكن لا تذهب الامور دائما الى القضاء او المجلس التأديبي وكما لفت النقيب" فقد يعترف الطبيب بوقوع الخطأ ويحل الامر بالتراضي مع العائلة، حيث يدفع التأمين اموالا لها كما يحصل في اميركا" كما قد يطلب المريض او عائلته وحتى الطبيب بتحقيق مهني، وشرح صايغ " عندها يذهب الملف الى لجنة التحقيقات التي تدرسه مع اطباء استشاريين على مستوى عال وقد تطلب اراء خبراء من خارج لبنان، وبعد ان تصل الى استنتاج تحليه الى مجلس النقابة الذي يصدقه او يعيده لتحقيق اضافي، ومن بعدها اذا ثبت الخطأ الطبي يحال الطبيب على المجلس التأديبي وله حق الاستئناف سواء قرار مجلس النقابي اوالتاديبي، هذا بالاضافة الى امكانية رفع دعوى امام القضاء المدني او الجزائي". مروحة عقوبات تطبق بحق الطبيب المخالف وفقا لطبيعة الخطأ، منها: التنبيه، اللوم، التوقيف الموقت عن العمل لمدة لا تتجاوز الستة اشهر و المنع من ممارسة المهنة نهائيا.

لن تعيد معاقبة الطبيب حياة من أزهقت روحه أو صحته بسبب خطأ ارتكبه، لكنها بالتأكيد تحمي الآخرين من مواجهة مصير شبيه!

المصدر :النهار