عقد الحكام العرب اجتماعهم السنوي التقليدي الممل والمخجل في المنامة، في وقت تعيش فيه فلسطين أبشع حرب إبادة جماعية وخطر اقتلاع ما تبقى من أبنائها أحياء من أرضهم وتهجيرهم إلى الخارج لتقوم دولة إسرائيل الكبرى على أيدي قادة الاغتصاب والإرهاب بزعامة نتانياهو وغالانت وبن غفير وسموتريتش وغيرهم.
صدر بيان في ختام الاجتماع دعوا فيه إلى:
1- "عقد مؤتمر دولي للسلام"!! مؤتمر دولي؟؟ غريب!! هل يقنع هؤلاء أنفسهم أنهم فنانون بارعون قادرون على التلاعب بذاكرة الناس والتاريخ والوقائع والحقائق؟؟ ماذا تعني كلمة دولي؟؟ أمشاركة دول كبرى لتثبيت قرار الدولتين وإقامة "سلام" في المنطقة؟؟ هل قبلت إسرائيل يوماً هذه الفكرة؟؟ مرة واحدة، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي حضر الرئيسان الأميركي "بوش والروسي "غورباتشيف" وكان العنوان: "الأرض مقابل السلام" قلت يومها، بناء للمواقف والممارسات الإسرائيلية التي أجهضت كل شيء، المفهوم الإسرائيلي لهذا الشعار، "الأرض لنا والسلام لنا والسلام عليكم يا عرب"!! وهذا ما لا يزال يحصل حتى الآن والعرب يقدمون كل شيء، حتى عندما شكلت لجنة رباعية من الأمم المتحدة وروسيا وأميركا وأوروبا، كان الموقف الإسرائيلي لا لروسيا، لا لأوروبا، ولا لأميركا عندما لا تتوافق بعض سياساتها مع سياسة الإرهاب الإسرائيلي وهذا ما لا يزال يجري حتى الآن أمام مشهد غزة ومصير فلسطين وكل العرب فعلياً، إسرائيل تبتز أميركا، ونتنياهو يأخذ بايدن رهينة على أبواب الانتخابات الرئاسية وهو بارع بل الأبرع والأخبر في التعاطي مع العقل الأميركي واستغلال كل الفرص لمصلحته وعلى الدم الفلسطيني المستباح.
2- "نشر قوات أممية لحفظ الأمن والسلام على أرض فلسطين حتى تحقيق حل الدولتين" لن يتحقق شيء من ذلك، إسرائيل ردّت مباشرة: "سنرسل مزيداً من القوات إلى رفح"، "سنكمل حربنا"، "لا قيام لدولة فلسطينية على أرضنا"، "لا نريد دوراً لحماس أو فتح أو السلطة الفلسطينية" لإدارة شؤون القطاع على الأقل في توزيع "المساعدات الإنسانية" والخطر يهدد مصير الضفة وبقاء أهلها!! سابقاً وأيام الرئيس أوباما كان جون كيري وزير خارجية أميركا، جاء لتحقيق هذا السلام وعقد اتفاق، كان النقاش يدور حول غور الأردن وانسحاب إسرائيل منه. وطرح فكرة قوات من "الناتو" لضمان أمن إسرائيل فأجاب نتنياهو: "لا يحمي أمن إسرائيل إلا جيشها"، طرحت فكرة قوات أميركية: كرر الجواب ذاته، لا يقبلون أحداً لا أميركا ولا ناتو ولا قوات أممية، والأرض هي أرضهم وليسوا "دولة مستعبدة من قبل أميركا"، كما قال نتنياهو أو "نجمة في العلم الأميركي"، كما قال غيره. والمطلوب استكمال الحرب واجتثاث الفلسطينيين والرد الأميركي جاء "نشر قوات أممية يخدم حماس"، "وقانون يلزم الرئيس بايدن بإرسال الأسلحة التي تطلبها إسرائيل ودون شروط "!! فأي أمن وسلام واستقرار وحل دولتين؟؟
3- "اعتماد قرار في مجلس الأمن تحت الفصل السابع يقضي بقيام دولة فلسطين". غريب، من عطّل التصويت في مجلس الأمن لإقامة هذه الدولة؟ أليست الولايات المتحدة وبعدما صوتت 143 دولة في الأمم المتحدة على قرار لمصلحة الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟؟ وهل لا تزال أميركا في هذا المجلس أم لا؟؟ هل أخذ العرب " ضمانة " أنها ستغيّر موقفها؟؟ وهل ستذهب إلى الفصل السابع وتعاقب إسرائيل وهي التي تهدد بمعاقبة قضاة "المحكمة الجنائية الدولية" إن هم عاقبوا مسؤولين إسرائيليين عن مذابح بحق المدنيين الفلسطينيين وتعمل على إسقاط قرارات محكمة العدل الدولية؟؟ أليست أميركا نفسها من تحدثت عن معاقبة كتيبة "نيتساح يهودا" لأن أفرادها المستوطنين قاموا بأعمال مرعبة بحق الأبرياء الفلسطينيين ثم تراجعت تحت ضغط إسرائيل؟؟
للأسف، المواقف العربية المعلنة في المنامة "صوتية"، هوائية، لا صدى لها ولا اثر وأقل من "رفع عتب"، لا شيء يرفع الإدانة عنهم، مواقف خارج الوقائع والحقائق والتاريخ وتجاربه والحاضر والمستقبل، مستقبلهم ومستقبلنا جميعاً. والحقيقة أن مواقف طلاب الجامعات الأميركية الرافضة سياسات إسرائيل، الداعية إلى نصرة فلسطين وتأكيدها على حق شعبها في تقرير مصيره، أقوى وأفعل وأكثر حضوراً منذ أسابيع في كل وسائل إعلام العالم وموضع نقاش وتحليل وتأييد وإدانة لأميركا "قائدة العالم الحر"، وحققت نتائج مهمة لناحية فرض شروط على بعض الجامعات بوقف استثماراتها في شركات إسرائيلية وفتح حوار جدي حول مستقبل العلاقات أساساً معها!!
وجاءت القرارات بعد خيارات إستراتيجية اتخذها حكام عرب تحت عنوان "السلام" "والازدهار" "والأمن "والاستقرار" حملت اسم "اتفاقات إبراهيمية" والدم يغطي أرض فلسطين والساحات العربية. ساهموا عن وعي وغير وعي عن قصد وغير قصد، بمساعدة نتنياهو في الانقلاب على المبادرة العربية التي أقروها في بيروت وأساسها: "علاقات طبيعية مع إسرائيل عندما تنسحب من الأراضي المحتلة عام 1967". فقدم العرب كل شيء وأخذت إسرائيل كل شيء ولم تعط شيئاً، وتزامنت القرارات مع حركة أميركية يقودها مستشار الأمن القومي جايك سوليفان لانجاز التطبيع الرسمي بين المملكة العربية السعودية - القوة الأكثر رمزية بما تعنيه من تاريخ وتراث إسلامي وبما لكلمتها من تأثير - وإسرائيل دون أي حل للقضية الفلسطينية ودون قيام دولة فلسطين، بل تكريساً لإسرائيل الكبرى.
عندما يعلن العرب وقف كل هذا المسلسل والوقوف وراء شرط قيام دولة فلسطينية فوراً محددة حدودها وثابتة سيادتها، يمكن، أقول يمكن أن يكون لهم تأثير، لأنهم اليوم أعجز مجتمعين من إدخال شاحنة مساعدات إلى أهالي غزة!! وإذا لم يقدموا انطلاقاً مما تبقى، فإن الفوضى ستعمّ كل الدول العربية ولا نزال في بداية طريق المشروع الإسرائيلي الاستراتيجي الحقيقي: التفتيت في العالم العربي، والفتن الطائفية والمذهبية وداخل بعض المذاهب، والإمساك بمفاصل المعادلات والموازين في المنطقة وأميركا شريك أساسي في ذلك.
للتذكير:
1- انعقد الاجتماع العربي في ذكرى توقيع اتفاقية سايكس بيكو 16 أيار/مايو 1916 التي قلنا منذ سنوات أنها سقطت، ونحن أمام رسم خرائط جديدة ومناطق نفوذ جديدة وتحديد أدوار دول جديدة، فأين العرب من ذلك؟؟
2- لم تعد الجامعة العربية وآلياتها وأنظمة عملها فاعلة بل هي لا اثر لها بكل مواثيقها، نحن أمام تحدي قيام نظام إقليمي جديد، إسرائيل قوة أساسية فيه وإيران شريك استراتيجي حتى الآن، ولا جواب عربياً، أو محاولة لمقاربة هذا الواقع وهذه المعادلة بل رهان على حماية أميركا وإسرائيل لهذا أو ذاك وكلام في اجتماع سميّ قمة عربية، وأطلقوا صوتهم: "صوت القعر العربي" ودون صدى...
أيها العرب: فلسطين قمتكم، قضيتكم، غزتكم عزتكم، ضفتكم حمايتكم، وضفة الجانب الصح من التاريخ، وشعب الجبارين قوتكم والمقدسات أمانتكم، هل تدركون نتيجة التخلي عن ذلك؟؟