الثلاثاء 28 أيار 2024 11:18 ص

كيفية تنفيذ تدابير محكمة العدل الدولية دونما حاجة لقرار من مجلس الأمن؟


* المحامي د. ابراهيم العرب

أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل،  بوقف هجومها العسكري على مدينة رفح بجنوب قطاع غزة، بأمر حظي بموافقة أغلبية 13 قاضياً من أصل 15 من جميع أنحاء العالم.
كما أمرت المحكمة إسرائيل بفتح معبر رفح بين مصر وغزة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وقالت في القرار أن على إسرائيل «أن توقف فورا هجومها العسكري وأي أعمال أخرى في محافظة رفح، قد تفرض على السكان الفلسطينيين في غزة ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم جسدياً كمجموعة أو على نحو جزئي». كما أكدت أنه يتعيّن على إسرائيل السماح بوصول المحققين إلى القطاع المحاصر وتقديم تقرير عن التقدم المحرز في غضون شهر واحد.
كما أن إسرائيل ملزمة قانوناً بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية، لأنها أولاً وافقت على ولايتها عندما وقّعت على اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تنص على تعهد أطرافها بالاحتكام إلى محكمة العدل الدولية، عند نشوء أي خلاف يتناول تفسيرها أو كيفية تطبيقها. ولذلك فإن إسرائيل التي صدّقت الاتفاقية المذكورة كانت ملزمة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية كمدعى عليها، كما أنها ملزمة بقرار المحكمة لأن الفقرة الأولى من المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة تلزم كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة بالنزول على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها.
ولكن إسرائيل معروفة بتهرّبها من تنفيذ القرارات الدولية، ولذلك تقضي الفقرة الثانية من المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة بأنه إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة فعلى الطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته، أو أن يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.
ولا يمكن تشبيه التدابير الاحترازية الإلزامية الرامية لفتح معبر رفح، والتي قضت بها محكمة العدل الدولية نهار الجمعة إبّان ممارستها لوظيفتها القضائية في المنازعات المعروضة عليها بالفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية بتاريخ 9 تموز من العام 2004 عندما قامت بوظيفتها الاستشارية وأفتت للجمعية العامة للأمم المتحدة أن جدار الفصل الإسرائيلي «مخالف للقانون الدولي»، وطالبت إسرائيل بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية «بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار»، لأن الفتاوى الاستشارية بذاتها ليس لها قوة الإلزام.
ولكن طالما أن أميركا يرجّح أن تستعمل حق الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار التدابير الاحترازية التي قضت بها محكمة العدل الدولية، التي تفتقر لجهاز تنفيذي، لذلك لا بد من العودة إلى أحكام الفقرة أ من القرار 377 المتعلق بالاتحاد من أجل السلام والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي ينص: «في حالة وجود تهديد للسلم أو خرق له أو وقوع عدوان، وعند فشل مجلس الأمن في القيام بمسؤوليته الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين، بسبب عدم توافر إجماع الأعضاء الدائمين فيه، على الجمعية العامة أن تجتمع فوراً وتبحث المسألة لتقدم للأعضاء التوصيات اللازمة حول التدابير الجماعية التي يجب اتخاذها، ومن ضمنها استعمال القوة المسلحة، وذلك للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما لنصابهما».
كما نص القرار على تعديل إجراءات دعوة الجمعية العامة للانعقاد، إذ يجوز دعوتها بمقتضى القرار إلى دورة استثنائية عاجلة خلال 24 ساعة وذلك في حالة تلقي الأمين العام للأمم المتحدة طلباً بهذا الخصوص من مجلس الأمن بأغلبية 9 أعضاء ولا يشترط أن يكون من بينها الأعضاء الدائمين، أو في حالة تلقّيه طلباً من الجمعية العامة بموافقة أغلبية أعضائها.
وإذا كان الاتحاد السوفياتي السابق قد عارض القرار آنذاك بحجة أنه يخالف بعض بنود ميثاق الأمم المتحدة ولا سيما المادة 11 والمادة 12 من الميثاق وأنه يجعل الجمعية العامة تجور على اختصاصات مجلس الأمن، إلّا أنه حثّ الجمعية العامة على معالجة عدد كبير من المسائل السياسية بناء على هذا القرار، فهو الذي اقترح عام 1954 على الجمعية اتخاذ قرار تحريم الأسلحة الذرية، وعقد دورة طارئة للجمعية في حزيران 1967 لإدانة الهجوم الإسرائيلي على الدول العربية بعد عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار حاسم بهذا الشأن.
كذلك فقد تم الاستناد إلى هذا القرار في أزمة المجر وكذلك أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 عندما عجز مجلس الأمن نتيجة الفيتو البريطاني والفرنسي عن أداء وظائفه، حيث أصدرت الجمعية العامة آنذاك في خضم تصديها لأزمة العدوان قراراً بتشكيل قوات طوارئ دولية. كما تم الاستناد إلى هذا القرار أيضاً في أزمة الكونغو وأزمة قبرص.
وبالتالي، فإن التدابير الاحترازية التي قضت بها أعلى محكمة دولية في العالم ستستجمع شروط قرار الاتحاد من أجل السلام، والتي هي:
1- فشل مجلس الأمن في القيام بمسؤوليته الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين، بسبب عدم توافر إجماع الأعضاء الدائمين فيه.
2- وجود تهديد للسلم أو خرق له أو وقوع عدوان؛ لا بل وجود أكثر من ذلك بكثير، إبادة جماعية.
ونختم بالقول، إن دور الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تطوّر، وباتت سلطاتها تمكنها من التدخل في المواقف التي يعجز فيها المجلس عن الاضطلاع بمهامه، لا سيما في مجال تنفيذ تدابير وأحكام محكمة العدل الدولية التي تؤثر على السلم الدولي كما هو حاصل في قطاع غزة. ولهذا فبعد التمسك بالفيتو الأميركي المتوقع في مجلس الأمن، يجب تقديم طلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة من قبل تسع أعضاء في مجلس الأمن أو من قبل أغلبية أعضاء الجمعية العامة، وذلك لدعوة هذه الجمعية العامة إلى جلسة طارئة خلال 24 ساعة، للنظر في كيفية المحافظة على السلم والأمن الدوليين في قطاع غزة من خلال تنفيذ تدابير محكمة العدل الدولية، وإلزام إسرائيل بمضمونه.

المصدر :اللواء