الأربعاء 29 أيار 2024 21:55 م |
يوم تألّقت النبطية ورفدت المسرح اللبنانيّ والفنون بالمبدعين |
* جنوبيات ساهم الجوّ اليساريّ الذي ساد باكرًا في النبطية، منذ مطلع الخمسينيّات بل وقبلها، خصوصًا في صفوف معلّمي المدارس الرسميّة، في بلورة حركة ثقافيّة ناجعة تبدّت منذ مطلع السبعينيّات، ونشطت في اتّجاهات مختلفة، من الفنّ التشكيليّ إلى الاهتمام بالموسيقى والسينما، إلى نشأة المسرح السياسيّ النضاليّ ثمّ المسرح الفنّيّ والغنائيّ الهادف، ترافق مع تنامي الحركة المطلبّية وحضور الأحزاب اليسارية بقوّة على الأرض، خصوصًا في أعقاب صدور قانون الأحزاب والجمعيّات الذي أرسى مداميكه الزعيم كمال جنبلاط.
بدأت ملامح المسرح تظهر في النبطية منذ مطلع الستينيّات من القرن الماضي، إذ شاركت المدينة بأكثر من عرض فلكلوريّ، من المسرح العائم في صيدا سنة 1962، إلى الجامعة العربيّة في بيروت سنة 1967، إلى كازينو لبنان في العام التالي. ويسجّل هنا الدور الإيجابيّ الكبير لسيّدة من سيّدات النبطية ساهمت بجدارة في تنامي الحياة الفنّيّة بوجوهها التشكيليّة والمسرحيّة والغنائيّة، هي مديرة مدرسة البنات المربّية فريحة الحاج علي التي شرّعت مدرستها ومنزلها لانطلاق النشاطات الفنّيّة والثقافيّة واحتضنتها ودعمتها بكلّ ما أوتيت من جهد وفكر نيّر منفتح. لن تنسى النبطية الجهد الذي بذله كلّ من الأديب الأستاذ حبيب جابر مع ثلّة من رفاقه المعلّمين والفنّانين، ثمّ المناضل الأستاذ عادل صبّاح في تمتين بنية المسرح الثقافيّ والسياسيّ، ساعد في ذلك الانطلاقة العابرة لحدود المدينة التي حقّقها تأسيس نادي الشقيف في النبطية، لا سيّما بعدما تسلّم زمام رئاسته عادل صبّاح، وما له من خبرة في عالم السينما إذ كان صاحب مسرح وسينما ريڤولي في المدينة؛ وكذلك انطلاقة اتّحاد الشباب الديموقراطيّ من خلال فرع أنشئ في النبطية في مطلع السبعينيّات وانضمّ إليه عشرات الطلّاب ممّن يدورون في فلك الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ، فكانت انطلاقة المسرح السياسيّ في النبطية والجوار من هذا الفرع.
عن هذه الأجواء يقول كاتب النصوص المسرحيّة لعدد من الأعمال الفنيّة السياسيّة، في ذاك الوقت، الطبيب الدكتور فيصل جميل: “كانت فترة النهوض المسرحيّ في النبطية جزءًا من النهوض العام في لبنان كلّه والفنّ في لبنان كلّه، وخصوصًا المسرح الملتزم بقضايا الشعب وبالحالة التي كانت سائدة في ذاك الوقت من السبعينيّات عندما أطلقت الحرّيّات الديموقراطيّة في البلد وساد جوّ نضاليّ عام وواسع”. ويضيف: “ترافق ذلك مع انتفاضة مزراعي التبغ وانتفاضة عمّال غندور وانتفاضة معلّمي المدارس الرسميّة، وكانت حركة ناشطة للجمعيّات والنوادي خصوصًا بعدما أصدر وزير الداخليّة في حينه الراحل كمال جنبلاط قانون الأحزاب والجمعيّات ونصّ هذا القانون على إطلاق حرّيّة العمل السياسيّ والأندية والجمعيّات. بعدها صارت الأندية والجمعيّات جزءًا من حياة الناس اليوميّة وليس في النبطية فحسب، بل في قراها التي مارست نشاطًا كاملًا طال مختلف جوانب الحياة الفنّيّة والاجتماعيّة والسياسيّة غير المباشرة لنشر الوعي السياسيّ الوطنيّ واليساريّ، وأضحى في كلّ ضيعة وقرية نادٍ أو جمعيّة”.
نسأله عمّن أيقظكم باتجاه المسرح؟ فيجيب: “الجوّ العام هو الذي أيقظنا باتّجاه المسرح، وكنت في حينه أتعاطى العمل السياسيّ ومنخرطًا في الحركة النقابيّة المطلبيّة. اعتبرنا في هذا الوقت أنّ المسرح قد يكون أحد وسائل مخاطبة الناس، والتعبير عن مشاكلهم والوصول إليهم والعمل على وضع مشاريع وأفكار لحلول مشاكلهم”. ويضيف: “كانت الجمعيّات تقدّم المسرحيّات لتظهر نشاطها الثقافيّ والاجتماعيّ، وبعضها كان هدفه الفنّ من أجل الفنّ، وكان اتّحاد الشباب الديموقراطيّ في النبطية ونادي التحرّر في كفررمان هدفهما من إطلاق المسرح اجتماعيًّا بطابع سياسيّ. كان نادي الشقيف في النبطية يقدّم مسرحيّات ذات طابع فنّيّ فلكلوريّ، مسرحيّات فيها رقص ودبكة وقدّم عملين متتالين في هذا الإطار، أنا في هذا الوقت ألّفت مسرحيّة اسمها “ومرقت الغيمة” كانت مسرحيّة سياسيّة بطابع فنّيّ وغنائيّ. قُدّمت المسرحيّة في مهرجان صيفيّ للمغتربين في نادي الشقيف سنة 1973، ومن ثمّ على مسرح سينما ريڤولي في النبطيّة وكانت من تأليف وإخراج فيصل جميل الذي كتب لها الأغاني ولحّنها وعزف على آلة الأوكارديون. شارك في التمثيل والدبكة إلى جانب عزّت شميساني (رئيس فرع الاتّحاد) حسام صبّاح وأحمد بدر الدين وناجي قديح وعلي أحمد بيطار وديانا عواضة وعباس فقيه وكامل مروّة وفتحيّة سلامة ونجاة جميل ومحمّد عبدالله ورفيق علي أحمد وصفاء جابر وآمال صبّاح وغيرهم؛ بالإضافة إلى كورال الفرقة والذي كان يتألّف من هواة تابعين لاتّحاد الشباب الديموقراطيّ في النبطية.
وفي يوم المرأة العالميّ، في 8 آذار العام 1975 وبدعوة من “لجنة حقوق المرأة” قدّم اتّحاد الشباب الديموقراطيّ عرضًا للمسرحيّة على مسرح قصر الأونيسكو في بيروت “هديّة من شباب وصبايا النبطية إلى المرأة اللبنانيّة في عيدها”. عمل مسرحيّ آخر كتبه فيصل جميل وقدّمه إلى نادي التحرّر في كفررمان سنة 1973 بعنوان “لمن الغد؟” وقام بإخراجه. يقول: “تناول العمل زراعة التبغ والهجرة والإقطاع السياسيّ، وانتفاضة المزارعين التي أدّت إلى اغتيال حسن الحايك من كفرتبنيت ونعيم درويش من حبوش وقد أدّى محمّد علي صالح في المسرحيّة دور الشهيد حسن الحايك وأنشد خمسة أغاني بصوته، منها مقطع: كنتِ تنتقلي من إيد لإيد قصّة غريبة من سرّ بعيد عا ديّي ربيتي لا تشوفي حالك عمري عم يمضى بفيّ خيالك بالشتي بالصيف بليالي السهر.. سهرّتيني نطّرتيني وعيّتيني من جديد…
وشاركت في عزف الموسيقى فرقة من مغدوشة”. يضيف الطبيب فيصل جميل: “كانت هوايتي المسرح والفنّ وآخر همّي الطبّ، لكنّ الحزب الشيوعيّ قرّر إرسالي كي أدرس الطبّ لتهيئتي كي أكون وجهًا سياسيًّا في ما بعد، وكلّ من عرفني استهجن أنّني ذاهب لأدرس الطبّ وليس المسرح والفنون. وفي العمل الثالث الذي كتبته تحت عنوان “الغربال”، لو أبقى هنا لتخلّيت بعده عن دراسة الطبّ”. ويتابع: “كان الدافع إلى الغربال الجوّ السياسيّ الذي نشأ في البلد، القمع والإرهاب من قبل السلطة تجاه مزارعي التبغ ثمّ عمّال غندور وصرف معلّمي المدارس. اعتبرناها إحدى وسائل النضال السياسيّ والخطّ اليساري لليسار الذي كنّا فيه، كانت فكرة المسرحيّة مركّبة وكانت هناك رموز لكلّ الطبقات الاجتماعيّة”.
وعن الأدوار يقول: “كان بطلها عزّت شميساني في دور (سهران) ويمثّل السهرانين على البلد، ومحمّد مهدي في دور (مفلح) ويمثّل الفلّاحين والمزارعين والفئات العمّاليّة، و(نظّور) الذي أدّاه مشهور مصطفى كرجل سياسيّ يواصل التنظير، وأدّى حسام صبّاح دور (برقوط) الموظّف البيروقراطيّ المرتشي، أمّا دور السلطة التي تقمع فمثّل دورها الصحافيّ حمزة الحسيني، وشخصية آمال الواعية أدّته نجاة جميل (شقيقته) إلى جانب الممثلة زهرة صبّاح وأدّى رفيق علي أحمد دور الملك وكانت الموسيقى لأيليّا سابا. اضطرّ فيصل جميل إلى السفر وأوكل مهمّة الإخراج إلى حسين ياغي (الفنّان التشكيليّ) وأعدّ لها ملصقًا جميلًا. تعرّف حسين ياغي إلى فنون المسرح من خلال انتسابه إلى معهد الفنون الجميلة قسم الرسم والفنّ التشكيليّ، لكن كان يلتحق أحيانًا بقسم المسرح والتمثيل بانتظار رفاقه كي ينصرف وإيّاهم. يقول الفنّان التشكيليّ الدكتور حسين ياغي: “كنت بجوّ اتّحاد الشباب الديموقراطيّ، لم أبدأ بالمسرحيّة من الأوّل ولا حتّى من الوسط، لقد وجدت النصّ مكتملًا وكذلك الأدوار، والممثلين يحفظونها تمامًا، كنا نحتاج إلى قليل من التدريب والتمارين، وحصل نقص في بعض الأدوار، منها شخصيّة الملك، رحت لأعرض الدور على صديقي الطيّب الراحل حسين علي أحمد من يحمر، فدلّني على شقيقه رفيق، تعرّفت إليه وعرضت عليه الدور فوافق. كانت لدى رفيق مؤهلّات فنّيّة وله طلّة مسرحيّة، وما أن نضج العمل حتّى عرضناه لأوّل مرّة في سينما ريڤولي في النبطية سنة 1974 وكان الحضور كثيفًا”. مسرح متنقّل نجحت المسرحيّة وذاع صيتها، فجرى عرضها ثانية على بيدر كفررمان بدعوة من نادي التحرّر متعاونًا مع اتّحاد الشباب الديموقراطيّ “أنشأنا مسرحًا من خشب وسيّجنا محيطه. في المرتين بعنا البطاقات بأسعار مقبولة ونفدت كلها. كان الجمهور يتفاعل معنا تلقائيًّا، من أساتذة وطلّاب وفئات مجتمعيّة مختلفة، ولا ننسى أنّ الناس كانت متلهّفة للنشاطات والمهرجانات، فلا وجود للإنترنت ولا للهاتف الخلوي والدعايات وإلى كلّ ما يلهي الناس في هذه الأيام” يقول ياغي.
في العام التالي 1975 عرضت المسرحيّة مساء الخميس في 4 أيلول في جباع وبعد يومين في بلدة ميفدون. يعلّق ياغي: “كنّا ندور بها، نحمل الخشب ونركّب المسرح ونعرض، لكن الحرب الأهليّة داهمتنا وصارت الالتزامات الدراسيّة والعمليّة تطرق أبوابنا، ومنها الهجرة التي فرّقت شملنا. في فترة الحرب كان يمكن لنا أن نستمرّ في أيّ شكل من الأشكال في المسرح، مثل غيرنا، لكنّ الهجرة نحو المدينة أو نحو التخصّص في الخارج هي التي أوقفت المسرح في وقت كان يحتاج إلى رعاية واهتمام واحتضان وتمويل، كانت أحوال الاتّحاد في ذلك الوقت لا تسمح له بتبنّي فرقة مسرحيّة وتمويلها في وقت كان يجمع أمواله من اشتراكات الأعضاء”. ويقول: “هذا العمل الغربال شكّل البدايات الأولى لكلّ من رفيق علي أحمد وحسام صبّاح ومشهور مصطفى، وصاروا فنانين ومخرجين ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على مستوى العالم العربيّ، وكان ثمّة آخران تخلّيا عن فكرة الانتساب إلى معهد الفنون الجميلة وكان بإمكانهما أن يكونا من الناجحين، هما عزّت شميساني ومحمّد مهدي، كانا فنّانين قديرين”. ويتابع: “العمل المسرحي الدائم يحتاج إلى فنانيّن متفرّغين ونحن لم نكن كذلك، أنا كنت معلم مدرسة، فيصل جميل متخرّج من دار المعلّمين ومنخرط في العمل السياسيّ، عزّت شميساني كان معلّمًا وكذلك محّمد مهدي ومشهور مصطفى وحسام صبّاح، كان العمل الفنّيّ بالنسبة إلى الجميع هواية جانبيّة وليست المحور، الفنّ لم يكن ليحيينا ولم تكن من مؤسّسات لاحتضاننا “كتّر خير” اتّحاد الشباب الديموقراطيّ الذي تبنّانا ووفّر لنا المكان لنجتمع ونشتغل، لكن بالنهاية كلّ إنسان بحاجة إلى دخل كي يعيش”.
يروي عزّت شميساني أنّه “بعد تقديم مسرحيّة الغربال في بلدة جباع، كان يشاهدها المخرج روجيه عسّاف، بعد انتهاء العرض تقدّم منّي وعرض علينا النزول إلى بيروت للمشاركة في أعماله المسرحيّة، سألني إذا كنت ممثّلًا محترفًا، فنفيت، فقال: لكنّك ممثل محترف. نادى على حسام صبّاح ورفيق علي أحمد ومشهور مصطفى وعرض عليهم أن يكونوا في بيروت، هم ذهبوا إلى بيروت، وأنا بقيت هنا، قلت لهم: طريق الفنّ غير مثمر ويخرب البيوت، كان لديّ ابنتان في هذا الوقت، واكتفيت بمهنة التعليم”. عن دخوله إلى عالم المسرح، يروي المخرج الدكتور مشهور مصطفى حكايته فيقول: “في مطلع السبعينيّات كنّا قد بدأنا على مسرح ثانوية الصبّاح باعمال مسرحيّة مدرسيّة خفيفة، وفي صيف العام 1974 وكنت قد أنهيت المرحلة الثانويّة استعدادًا لدخول المرحلة الجامعيّة، في معهد الفنون الجميلة. جاءني الصديق والرفيق حسين ياغي، وكنا نلتقي مرارًا سواء في مقرّ اتّحاد الشباب الديموقراطيّ في النبطية أم في قريتنا زوطر الغربيّة، وسألني هل تمثّل؟ أجبته: ماذا؟ أعاد السؤال وكنت متفاجئًا ولم أستطع أن أفكّر لأجيب، وأضاف: هناك مسرحيّة اسمها “الغربال” أعدّها فيصل جميل ولسوف أقوم أنا مكانه بإخراجها، لأنّه سوف يسافر للتخصّص في الخارج”.
ويضيف المخرج مصطفى: “التحقت بالفرقة، وصرنا نلتقي في مقرّ اتّحاد الشباب الديموقراطيّ في وسط النبطية ثم ننطلق إلى التدريب على مسرح سينما ريڤولي الذي قدّمه لنا صاحبها الأستاذ عادل صبّاح. التقيت هناك عزّت شميساني وعلي الزيباوي ونجاة جميل ومحمّد مهدي وحمزة الحسينيّ وغيرهم. وبعد نحو شهرين أنجزنا المسرحيّة واستطعنا أن نقدّم مسرحيّة الغربال على خشبة مسرح سينما ريڤولي ثمّ بعدها عرضها نادي التحرّر في كفرّرمان على بيدر البلدة”. ويقول: “شكّلت المسرحيّة بداية ذات لمعة وأسّست لانطلاقة المسرح السياسّي الهادف في النبطية، وكانت هناك سياسة مواكبة من اتّحاد الشباب الديموقراطيّ والحزب الشيوعيّ والأحزاب اليساريّة، وكانت هناك ثمّة مدرسة في هذا الإطار. لقد شكّلت هذه المرحلة تأسيسًا للشغف الفني لديّ لا سيما عندما تقدّمت إلى معهد الفنون الجميلة سنة 1975 ونجحت”. ويضيف: “كان حسام صبّاح يتردّد إبّان العمل على المسرحيّة بالإضافة إلى لقاءاتنا خارجها، وقد دخل بعدي إلى قسم التمثيل. ومنذ العام 1976 أصبحنا لا نفترق أبدًا في العمل وفي السهرات وصرت أنام عنده في النبطية، وأعددنا سويًّا مسرحيّة “المسيرة” وأخرجناها، وتمّ تقديم المسرحيّة في نادي الشقيف في النبطية صيف العام 1976 بنجاح باهر ولمرّة واحدة فقط”. اشترك في بطولة مسرحيّة “المسيرة” حيدر بعلبكي ووفاء جمعة من الاتّحاد، ومعهما محمّد مهدي وعلي الزيباوي وسمير كحيل ومشهور مصطفى وحسام صبّاح وغيرهم.
صودف إنجاز المسرحيّة في وقت بدأ دخول الجيش السوريّ وقوّات الردع العربيّة إلى لبنان، و”كان مضمون المسرحيّة يدين ليس الحرب فحسب، بل أيّ تدخّل خارجّي بالشؤون الداخليّة اللبنانيّة، وكان ثمّة تلميح في النصّ المسرحيّ ضدّ هذا التدخّل، وكان لنا صديق مشترك يدعى زهير ماجد، وكان يقول ممازحًا بتهديد مبطّن: يا مشحّرين سوف يأتي السوريّون ويلقون القبض عليكما، أنا وحسام”. نسأل: لماذا بوجود كلّ هذه الطاقات الفنّيّة والاحتضان الشعبيّ والسياسيّ وبعض المرجعيّات الثقافية لم تبادروا إلى تأسيس فرقة مسرحيّة دائمة؟ يجيب الدكتور مشهور: “للأسف لم نؤسّس فرقة مسرحيّة مع أنّ الجوّ كان مؤاتيًا لذلك، بقي الموضوع ارتجاليًّا أكثر، ولم تكن أهدافنا محدّدة وواضحة، بل اندفاع وحبّ باتّجاه التغيير، كان يجب أن تكون هناك مسؤوليّة ثقافيّة سياسيّة للحزب الشيوعيّ في الدفع والتأسيس والاحتضان والانطلاقة، لكنّ ذلك لم يتمّ وتفرّق الشمل بعد أن قدّم فيصل فرحات كفرجبروت في جباع ومن بعدها تلاشت الحركة المسرحيّة في النبطيّة ومنطقتها”. ويختم: “لا بدّ من الذّكر أنّه في سنة 1975- 1976 وما قبلها، كان منزل الراحلة والمربّية فريحة الحاج علي موئلًا للشباب الفنّيّ والسياسيّ، وكنا نلتقي عندها في ندوات ونقاشات وتحضيرات. وكانت بمنزلة الحاضنة السياسيّة والفنّيّة والعاطفيّة والنفسيّة لنا على المستوى المعنويّ والمادّيّ. وأذكر أنّ وداد يونس والفنّان زعل سلوم قد كتبا كتابهما على علبة “جيتان” (تبغ فرنسي) في منزل فريحة الحاج علي بحسب قولها أنذاك”. في العام 1989 قدّم المخرج الراحل الفنّان مهدي زعيتر مسرحيّة “تركوكِ وراحوا” على مسرح دار المعلّمين والمعلّمات في النبطية، نصّ الدكتور محمد مروة، وهي مسرحيّة تاريخيّة سياسيّة شارك فيها عدد من الهواة. وقُدّمت أعمال مسرحيّة متفرّقة بعروض يتيمة كانت لا تتخطّى الحدود الجغرافيّة للنبطية وجوارها، لكنّها لم تكن لتتمتّع بالمجد المسرحيّ الذي عاشته أعمال السبعينيّات التي حقّقت مسرحًا فنّيًّا سياسيًّا، نجح في تحقيق غايته في مخاطبة الجمهور الذي كان متماهيًا ومتجاوبًا، بل ومتعطشًا للفن المسرحيّ، مثلما نجح في رفد الدراما اللبنانيّة وخشبة المسرح بوجوه حقّقت نجاحات باهرة، أمثال الراحل حسام صبّاح ورفيق علي أحمد والمخرج الدكتور مشهور مصطفى. المصدر :مناطق نت |