كشفت قضية العثور على "جواز سفر" لبناني بحوزة مطلوب للقضاء من الجنسية الفلسطينية يدعى نور مصرية (أوقف بعملية خاصة من قبل أمن الدولة في عاريا في أثناء محاولته الفرار إلى سوريا)، أن الأخير ليس الوحيد الذي حصل على نسخة، إنما قدم اعترافات تُظهر أن آخرين غيره امتلكوا نسخاً أيضاً حصلوا عليها لقاء أموال دفعوها، كما اعترف بأنه سدّدَ لقاء الحصول على الجواز مبلغاً من المال فاق ما سبق لـ"ليبانون ديبايت" أن ذكره بأن بلغ 30 ألف دولار أميركي. وفي السياق نفسه، تبين أن الأمن العام سبق له أن أحبط خلال المدة الأخيرة حوالي 10 محاولات للحصول على نسخ لجوازات سفر بطرق غير شرعية.
على إثر توقيف مصريّة، وسّع الأمن العام تحقيقاً كان إفتتحه قبل مدة. وشمل التحقيق إجراء تدقيق في المستندات التي بموجبها صدر جواز السفر المزور، ليكتشف أن الجواز صدر بإسم أحمد ع. عاصي / مكان قيده الحدث / بعلبك، نفذ في "الشعبة الخاصة" لدى الأمن العام، وهي الشعبة التي يتاح فيها بشكل قانوني توفير تسهيلات لحالات استثنائية وخاصة كطلب إصدار جوزات لمرضى سوف يخضعون للعلاج في الخارج، ولا يستطيعون التوجه إلى المديرية لتقديم طلبات استحصال أو متابعة الإجراءات. لذا، إستغل عسكريان في "الشبعة" هذه الناحية ليتجاوزا الإجراءات الروتينية، ويسهلا تنفيذ الجواز بصورة غير قانونية من خلال قيام أحدهم بتدوين رقم قرار "وهمي" على الطلب ما أوحى أنه صادر عن المدير العام كقرار استثنائي خاص.
بالإضافة إلى ذلك، بيّنت التحقيقات والفحوصات التي أجريت على المستندات التي أعيد الإطلاع عليها بعد اكتشاف وجود الجواز بحوزة المطلوب، أن إخراج القيد وإفادة السكن المستخدمين في طلب الاستحصال مزوران، كما أن المختار الذي مهر توقيعه، وختمه على الوثيقة منتحل صفة، وتبين أنه مختار سابق لإحدى القرى البقاعية، وأنه شكّل، إلى جانب آخرين، عنصراً أساسياً في شبكة التزوير، علماً أن "المختار" المزيّف بات على رأس قائمة المطلوبين بالنسبة للأمن العام.
بناء عليه نتائج التحقيقات، جرى توقيف العسكريين وهما برتية رتيب - مفتّش. ووصف أحدهما بأنه أحد المتهمين الأساسيين في القضية فيما الآخر كان مسؤولاً عن التنفيذ. وخلال الاستماع إلى الموقوف الأول، قدم اعترافات هامة للغاية، كاشفاً أنه قام بتسهيل إصدار الجواز بناء على وثائق مزورة، وأنه كان يعلم أنها مزورة، وأنه تعاون مع عسكري آخر شكل صلة الوصل مع من هم في الخارج، وأن دوره أنحصر في تجهيز الملف ووضع رقم وهمي لقرار استثنائي يصدر عن المدير عادة، ليمرره إلى زميله لتنفيذه.
ولقاء هذه الخدمة حصل على مبلغ مالي برّره بحاجته إليه. وفهم أن المبلغ الكبير الذي سدد لقاء الحصول على جواز مزور، وُزِّع على أكثر من طرف، من بينهم المختار فيما يعتقد أن الشخص صاحب البيانات نال حصةً. كذلك أظهرت التحقيقات وجود عسكري ثالث شارك في العملية، لكنه توارى عن الأنظار.
وتعليقاً على الحادثة، قال مصدر قضائي بارز لـ "ليبانون ديبايت" أن العنصر ما زال داخل الأراضي اللبنانية، ويُعْمَل على توقيفه، مشيراً أن ملف المتورطين سُلّم إلى القضاء العسكري مذيلاً باقتراح قيادة الأمن العام بإنزال أشد العقوبات في حق المتورطين وطردهم من السلك، مع الإشارة إلى أن الأمن العام سلك فعلياً مساراً فرض بموجبه عقوبات مسلكية بحق المتورطين من عناصره.
تأسيساً على ما جرى، وفي محاولة منها لمكافحة هذه الظاهرة، اتخذت قيادة الأمن العام بتوجيهات من مديرها اللواء إلياس البيسري سلسلة إجراءات كان من بينها أن فرضت تدابير مشدّدة وعقوبات صارمة لمكافحة أي محاولات مستقبلية.
غير أن قضية اكتشاف الجواز المذكور كان لها دور في إماطة اللثام عن تدابير سبق للأمن العام أن اتخذها.
كذلك أظهرت أنه كان على بيّنة من وجود محاولات لتزوير مستندات بهدف الاستحصال بطريقة غير شرعية على جوازات سفر، قام بمتابعتها والتعامل معها. تحضر في السياق واقعة أساسية مثّلت عيّنة من الإجراءات، كإصدار مذكرة يعود تاريخ العمل بها إلى 15 آذار/مارس 2024 حملت الرقم 5 موضوعها "معايير قبول طلبات جواز السفر"، بعدما جرى تعميمها على كافة قطعات الأمن العام ومراكز إصدار الجوازات.
تضمنت المذكرة 3 بنود، ما يبرز فيها أنها تكشف عن "حدوث تجاوزات في عمليات إصدار جوازات السفر". وقد أقرت من خلالها المديرية "ضبطها حالات تزوير لهويات وبيانات قيد إفرادية لبنانية ما أدى إلى محاولة استحصال أشخاص من غير اللبنانيين على جوزات سفر لبنانية بمستندات مزورة". ومما كشفت الوثيقة أيضا "قيام بعض المخاتير بإصدار إفادات سكن لمواطنين لا يقيمون ضمن نطاقهم، بالإضافة إلى تلاعب بتواقيع وتحريف في بعض وقوعات اخراجات القيد".
وطلبت المديرية "إلزامية تصديق طلبات الاستحصال أو إبدال جوزات السفر اللبنانية البيومترية لدى مختار القيد حصراً"، وهذه النقطة أثارت استنكارات واسعة في صفوف مخاتير المدن تحديداً، الذين اعترضوا على القرار، ورأوا فيه إجحافاً في حقهم، أو يتسبب في "قطع أرزاقهم"، فضلاً عن أنه يكبّد المواطنين عناءً إضافياً، مما دفعهم لتقديم شكاوى لدى وزارة الداخلية، علماً أن الأخيرة كانت في صورة إجراءات الأمن العام كما لوجود محاولات دائمة لتزوير مستندات لمصلحة الاستحصال على جوازات بمساعدة من مخاتير.