الثلاثاء 11 حزيران 2024 22:44 م |
في حرب المسيّرات... كيف صدّع "الحزب" نظرية التفوق الجوي الإسرائيلي؟ |
* جنوبيات شكّل نجاح الدفاع الجوي للمقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، في إسقاط 7 طائرات إسرائيلية مُسيّرة (5 من نوع هرمز و2 من نوع سكاي لارك)، وإجبار المقاتلات الإسرائيلية على مغادرة سماء لبنان، واستهداف الحزب لمواقع الاحتلال بالمسيرات الانقضاضية والهجومية، متغيّراً نوعياً أحدث فارقاً في مجرى العمليات خلال المعركة الدائرة منذ 248 يوماً. هذا المتغيّر النوعي يتمثّل في شقين، الأول في تهديد حركة سلاح الجو الإسرائيلي في السماء اللبنانية المسؤول عن الاغتيالات والعدوان على المدنيين، الأمر الذي شكّل مفاجأة لقيادة الاحتلال وأجهزته الاستخبارية والعملياتية، ولاسيما أنّ المعركة تدور في المجال الجوي بعدما كان الاحتلال يحتكر هذا المجال منذ احتلاله لفلسطين المحتلة عام 48. والشق الثاني يتعلق في استهداف مواقع الاحتلال بالمسيّرات، وهو ما يعني أنه بات لحزب الله سلاح نوعي قادر على زعزعة ما كان يسميه الاحتلال "التفوق الجوي"، ماذا في دلالات التطور النوعي لسلاح المقاومة إذاً؟
رسائل نوعية وفي إطار فرض القيود على الاحتلال الإسرائيلي، فإنّ المقاومة صفعت التفوّق الجوي الإسرائيلي ليس فقط في المُسيّرات بل استهدفت مراكز التحكّم بالطائرات أيضاً مثل قاعدتي "ميرون" و"غيبور"، وكذلك في إسقاط مناطيد التجسس. وتلعب المسيّرات الإسرائيلية دوراً رئيسياً في الاغتيالات في لبنان وفلسطين وغيرهما، وتتمتّع بهامش واسع في الكشف والاستهداف والمناورة، وتتميّز بتقلّص الفترة الزمنية بين الكشف الاستخباري والاستهداف العملياتي، لذلك كان الاحتلال يعتبرها لسنوات مضت "السلاح الناجع ضد المقاومة". وفي وقتٍ سابق، قال المحلل لشؤون لبنان والمقاومة، عباس فنيش إنّ "المقاومة في لبنان تُحاول مقارعة الاحتلال ولاسيما في المجال الجوي على مبدأ العين بالعين"، لافتاً إلى أنّ "الازعاج الذي تقوم به المقاومة تجاه المقاتلات الاسرائيلية قد يتحوّل إلى خطر". لذلك، يخشى الاحتلال الإسرائيلي من أن يؤدي رد الفعل التصعيدي (استهداف المسيرات الإسرائيلية من قبل حزب الله) إلى كسر المعادلة الجوية التي توهّم بأنّه نجح في فرضها، وهو ما عبّرت عنه وسائل إعلام إسرائيلية بـ"الخطير جداً"، وقالت إنّه "يُعطي صورة سيئة جداً عن الجيش الإسرائيلي وعن سلاح الجو الأقوى في الشرق الأوسط". وبذلك، يكون حزب الله قد أرسل رسالةً واضحة إلى "إسرائيل"، مفادها بأنّ استهدافات المقاومة للمسيرات ومراكز التحكم بها وتحييد الطائرات الحربية عن الأجواء اللبنانية، تُبدد الرهانات الإسرائيلية على "التفوّق الجوي" بالتأسيس لمعادلة مُضادّة، أخطر ما فيها أنّها ستمتد إلى ما بعد انتهاء الحرب. أضف إلى ذلك، أنّ عمليات المقاومة ولاسيما الجوية تنمّ عن إرادةٍ سياسية صلبة تستند إلى قُدرة عسكرية واقعية قادرة على توسيع نطاق الاستهدافات في الجو كما البر، حتى لو اعتبر الاحتلال هذه الضربات تجاوزاً لبعض قواعد الاشتباك التي دمّرت المقاومة غالبيتها خلال "طوفان الأقصى". وعلّق المراسل العسكري لموقع "والا" الإسرائيلي، أمير بوحبوط على استهدافات حزب الله للمسيرات الإسرائيلية، قائلاً: "سنكون في مشكلةٍ كبيرة إذا فقدنا التفوّق الجوي في الأجواء اللبنانية، لأنّ ذلك سيضرّ بشكلٍ كبير بقدرات جمع المعلومات الاستخبارية".
تحديات تُواجه "إسرائيل" ووفقاً لمركز الأبحاث الإسرائيلي يُنفّذ حزب الله إجراءات تمويهية تجعل من الصعب تحديد مواقع الإطلاق بشكلٍ مُسبق، بالإضافة إلى قصر مدّة الهجوم الذي ينفذه ضد الطائرات المسيرة أو مراكز التحكم بها، وكذلك وضع حزب الله عدداً كبيراً من الطائرات المُسيرة الجاهزة للقتال بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة، وأخفاها في مناطق مفتوحة ومبنية، وهذا الإعداد المسبق يوفر على حزب الله الكثير من الوقت أثناء إعدادها للإطلاق ويجعل من الصعب للغاية إحباط هجومها. وأيضاً، يُواجه الاحتلال الإسرائيلي تحدياً يتعلّق بالوقت أي أنّ مُسيّرات حزب الله موجودة عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، الأمر الذي يُقلل بشكلٍ كبير من مدّة الرحلة، ما يجعل عمل أنظمة الكشف والاعتراض أكثر صعوبة. وتعليقاً على هذا الواقع، نقل موقع "كلكاليست" الإسرائيلي عن أحد كبار الضباط في "الجيش" قوله إنّه منذ بداية الحرب، تتحدى مُسيّرات حزب الله "الجيش"، الذي يُواجه صعوبة في اكتشافها، وتحديدها كوسائل معادية، كما يُواجه صعوبة في اعتراضها بسرعة. وهناك صعوبة أُخرى ذكرها مركز "ألما" تتعلق بطريقة توجيه الطائرة بدون طيار نحو الهدف، وتتمثل إحدى طرق الطيران في التحديد المسبق للهدف، ومسار الرحلة، حتى يمكن إكمال الرحلة إلى الهدف بشكلٍ ذاتي التحكم باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" ونظام الملاحة بالقصور الذاتي "INS". ونظام الملاحة بالقصور الذاتي هو وسيلة تُستخدم لتوجيه الصواريخ والطائرات والغواصات، ولا تعتمد على المراقبة من الأرض أو الفضاء، أو على إشارات الراديو و الرادار، أو أي معلومات خارجية المصدر. ويعتمد هذا النظام على حاسوب وأجهزة استشعار الحركة والدوران للحساب بشكل مستمر، عبر تقدير الموضع والاتجاه والسرعة، بدون الحاجة إلى الاعتماد على مراجع خارجية. وفي وقتٍ سابق، نشر الجيش الإسرائيلي حواجز لاعتراض نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" في الشمال لجعل تشغيل الطائرات المُسيّرة وغيرها من الأسلحة الدقيقة أكثر صعوبة. فوفق التقديرات الإسرائيلية، فإنّ حزب الله غالباً يستخدم تقنيات "تجاوز الحواجز" في هذه المنطقة، والتي استخدمتها روسيا بنجاح خلال الأزمة في أوكرانيا. ويوجد تحدي آخر أيضاً، يتعلق في قدرة حزب الله على استهداف المواقع بحيث أن يكون هناك مُشغّل يتحكّم في الطائرة أثناء طيرانها. وعلى الرغم من أنّ بعض مُسيّرات "أبابيل" مُجّهزة بكاميرات ترسل الصور إلى مركز التحكم، إلا أنّ هناك مسيرات استخدمها حزب الله في أيار/مايو الماضي لم تكن تحتوي على كاميرا، ويرجّح التقرير أنّ الطائرة كان يقودها مُشغل وكان على اتصالٍ بصري مع هدفه، الأمر الذي يفقد نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" فعاليته. على المستوى العملياتي، تواجه "إسرائيل" تحدياً يتعلّق بجمع المعلومات الاستخبارية من قبل حزب الله ولاسيما أنّ مُسيّراته تتجاوز منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي وتجري مسحاً استطلاعياً للأهداف الاستراتيجية والتكتيكية. وعلى الرغم من أنّ حزب الله حقق إنجازات بشأن ردع سلاح الجو الإسرائيلي، وأنّ العمليات في جبهة لبنان تتصاعد قبالة الاحتلال بما يشكل جبهة إسناد ودعم للمقاومة في قطاع غزّة، إلا أنّ نتائج الإنجازات ستكون مفاعيلها الأكبر في مرحلة ما بعد الحرب لجهة تقييد النشاط الاستخباري والعملياتي للمُسيّرات الإسرائيلية. المصدر :الميادين - رضا زيدان |