الاثنين 1 تموز 2024 20:21 م

معرض "فسحة الأمل" في النبطية... ريشة وألوان وإرادة


* جنوبيات

اختراقًا لجدران القلق والخوف التي تحاول تكريسها تلك الحرب الدائرة في غزّة وفي جنوب لبنان منذ أكثر من ثمانية أشهر ونصف الشهر، وتطويبًا لسيادة الفنّ في التعبير عن قضايا الشعوب والديموقراطيّة والجمالات التي تطرّز حياة الناس فيما هم يشيحون عنها، إذ يتلهّون في أوجاعهم وأحاسيسهم الحزينة من مشاهد القتل اليوميّة والإبادة بلا رحمة من آلة الحرب الإسرائيليّة، أطلّت علينا ثلّة من فنّانين تشكيليّين محترفين وهواة بمعرض شيّق في النبطية حمل عنوان "فسحة الأمل" بتنظيم من "ملتقى أطياف الفنّيّ".

استضافة تشكيليّين محترفين

وكان بارزًا مشاركة تسعة فنّانين محترفين في المعرض بصفة ضيوف، ما أضفى عليه أبويّة فنّيّة داعمة للوجوه الجديدة ولزملائهم من فنّاني المناطق المميّزين، ممّن انسابت ألوانهم الداكنة أو الشفّافة تحاكي الجمال بأبهى حلله ولو حتّى بتلك اللوحات الناقلة للوجوه الخارجة من تحت الردم وأنقاض الدمار مدثّرة بقسمات الصبر، ملتحفة الأمل بانفراج آتٍ لا محالة. وتقدّم هؤلاء، الفنانون: الدكتور حسين ياغي، أمير سلامة، الدكتورة خولة الطفيلي، علي حسين أمهز، علي ترحيني، علي زين الدين، علي شمس الدين وهشام طقش ومحمّد محمّد حرب.

تنوّعت المدارس الفنّيّة ومشاربها في اللوحات الـ77 التي زينت أرجاء قاعة المعارض في مبنى "الأكّاديميّة الكنديّة اللبنانيّة المميّزة" في النبطية. وقد طغت الأعمال الزيتيّة الإنطباعيّة والكلاسيكيّة والتجريديّة على مجمل لوحات المعرض، وبرزت أعمال "أكليريك" لكنّها كانت محدودة، إلى لوحتين "دينيّتين" مائيّتين لرئيس قسم الفنون في جامعة LIU الفنّان التشكيليّ أمير سلامة. وكذلك برزت وجوه نسائيّة متفوّقة، فسجّلت مشاركة 20 فنّانة من مختلف الأعمار، عرضن أعمالًا مميّزة تحاكي الواقع والرومانسيّة والحياة الصامتة وقضايا الحرّيّة وفلسطين.

وخصّصت في زاوية المعرض الأولى فسحة "تحيّة" للفنّان التشكيليّ والموسيقيّ الراحل محمّد الحاج حسن من كفررمان، عضو ملتقى أطياف، والذي رحل خريف العام 2021 وهو في ريعان العطاء والشباب جرّاء مرض عضال، تاركًا أثرًا غنيًّا من الأعمال التشكيليّة الزيتيّة، منها لوحة لنفسه رسمها عازفًا على آلة الكمنجة.

"ضرب من الجنون"

إلى عنوان "فسحة الأمل" حمل المعرض تصنيف "السنويّ الخامس"، لكنّه أتى منقطعًا في الأجواء والمدد الزمنيّة عن المعارض الأربعة السابقة، أيّ بعد خمس سنوات على آخر معرض أقامه الملتقى تحت عنوان "زهر الألحان" برعاية نقيب الفنّانين التشكيليّين الفنّان نزار ضاهر في مركز كامل يوسف جابر الثقافيّ الاجتماعيّ في النبطية.

يقول الفنّان التشكيليّ المخضرم الدكتور حسين ياغي: "لقد كان ضربًا من الجنون أن يُقام معرض للفنون في هذه الظروف، كما عبّرت إحدى المشتركات، لكنّه أقيم وكان ناجحًا. لقد كان الحضور الشعبيّ كثيفًا ممّا شكّل مفاجأة جميلة، فالناس بحاجة لأن تتنفّس وتمارس شيئًا مختلفًا".

ويضيف: "أن يتحوّل الفنّ إلى قضيّة شعبيّة هو شيء يعزّز الفكر الإنسانيّ ويرفع من مستوى الممارسة الاجتماعيّة الراقية. لا ينبغي أن ننظر لهذا المعرض من منظار النقد الفنّيّ المتخصّص بل من زاوية كونه نشاطًا ثقافيًّا جماعيًّا يشكّل نافذة على تطوّر الفكر الإنسانيّ". وشكر للمشرف على تنظيم المعرض والجمعيّة الفنان هشام طقش "فكلّ التقدير له على التنظيم الجيّد وتقديم القاعة، والشكر موصول للآخرين الذين ساهموا بتنظيم هذا المعرض".

أمّا بالنسبة للمشاركين فيثني ياغي على مشاركة "محترفين ذوي تاريخ طويل في ممارسة الفنّ" مثل حسين ياغي وخولة الطفيلي وهشام طقش ومحمّد حرب وأمير سلامة وأحمد عبدالله وعلي زين الدين وعلي شمس الدين وعلي أمهز وعلي ترحيني وفادي الخنسا. ويتابع: "لقد كان هناك عدد من المشاركات الواعدات، من الجيل الصاعد وأذكر بشكل خاص أعمال زينب أيّوب وأمل عبد الأمير وزهراء عميس وسنيّة فرّان وفاطمة ياسين ومرام زهري وآخريات، إلى عبدالله السيّد والجميع".

"عدنا بفنّ أرقى"

يشير مؤسّس ملتقى أطياف الفني الفنان هشام طقش إلى "خمس سنوات عجاف مرّت علينا، عانينا فيها الأمرّين من المشاكل السياسيّة والأمنيّة والصحّيّة والاقتصاديّة، نُهبت أموالنا وضاعت مدّخراتنا وضاق رزقنا وما زلنا نعاني، وإن كانت بوادر الفرج تلوح في الأفق. وقد عانى الفنّانون من هذه الأزمة العناء الأكبر، فقلّ عطاؤهم وضحل إنتاجهم وتحيّروا أين ينفقون القليل من مالهم، بين شراء الخبز أو شراء الألوان؟ وانقطع معرضنا السنويّ أربع سنوات متتالية، واليوم نقول: لقد عدنا. نهضنا من تحت الرماد ومن بين الأنقاض، عدنا بصوت أعلى وبفنّ أرقى وبجمال الأمل  وهكذا كانت: فسحة الأمل".

نسأله عن "الشجاعة" في إقامة معرض تشكيلي وسط ظروف قاسية وأجواء حرب طويلة؟ فيرد على قائلًا: "اليوم وفي ظلّ المجازر في غزّة وصمود أهلها الإسطوريّ. وفي ظروف الحرب على حدودنا التي نسمع أصواتها ونكتوي بنارها وندفع الأثمان الغالية من خيرة شبابنا ومعاناة أهلنا في قرى المواجهة، من دمار بيوتهم وخراب أرزاقهم حتّى باتوا نازحين في وطنهم، وحيث يسطّر رجال مقاومتنا أشرف المواجهات ويذيقون أعداءنا وبال أمرهم ويدمّرون أحلامهم ويقوّضون أسس بنيانهم ويحيون أمل الأمّة بزوال الظلم ونصرة الحقّ فنحن وهم نقترب رويدا من حلم التحرير القادم لا محالة، من قال إنّ المقاومة سلاح فقط؟".

"نقاوم بالريشة واللون"

ويضيف: "فنحن في إقامة معرضنا الفنّيّ هذا إنّما نقاوم بالريشة واللون ونبرز الوجه الحضاريّ والإنسانيّ والجماليّ لشعب أراد الحياة عزيزة كريمة، لذلك وفي ظلّ هذه الظروف نرسم الأمل وإرادة الحياة والصمود".

جرى افتتاح المعرض برعاية وزير الثقافة اللبنانيّة القاضي محمد وسام المرتضى ممثّلًا بالبروفسور الدكتورة دلال عباس، التي اشادت بالمعرض وبما يتضمّنه من أعمال احترافيّة رائعة. مثنية على الفنّانين "الذين يمتلكون عظيمًا من الجرأة والإقدام في إقامة معرض ضخم في ظلّ هذه الظروف الصعبة وفي قلب الجنوب".

وفي ما يأتي أسماء الفنّانين التشكيليّين المشاركين، تقديرًا لمواهبهم وعطاءاتهم، وبحسب الترتيب الأبجدي: "أحمد عبدالله، أمل عبد الأمير، رحاب غندور، زهراء عميس، زينب أيّوب، زينب حسن عتريس، زينب حسن مدلج، سنيّة محمّد فرّان، صابرين مروّة، صفاء بدر الدين، عبدالله السيّد، علي علّوش، فادي الخنسا، فادية عنان، فرح علي رمّال، فاطمة ياسين، مرام زهري، مريم خاطر، منى محمّد حمزة، منيفة سلّوم، ميّ جعفر، ميّ سعادة ونبيهة حوماني".

وعلى الهامش، أصدر "ملتقى أطياف الفنّيّ" كتيّبًا من 58 صفحة يحمل عنوان "فسحة الأمل" المعرض السنويّ الخامس لملتقى أطياف الفنّيّ 2024، يتضمّن تعريفًا بكلّ فنان ضيف أو مشارك وعرض لمجموعة من أعمال كلّ فنان ولنشاطات الملتقى السابقة ومعارضه.

المصدر :مناطق نت