يُحكى في بلاد البرد والصقيع، والوضع المزري الذي يُدمي الرضيع، أنّ طفلًا لم يتجاوز العشر سنوات كان يرتجف من البرد، ويقف حافي القدمين أمام واجهةِ مخزنٍ لبيع الأحذية، وهو مندهش لا يتحرّك، يرنو إلى الأحذية الدافئة، وعيناه قد اغرورقتا بالدمع.
أمام هذه المشهديّة الحزينة اقتربت منه سيّدة خمسينيّة وسألته:
ما الذي يثير اهتمامك وأنت تنظر إلى هذه الواجهة البلّوريّة، وبماذا تفكّر؟! أجاب الطفل: أدعو الله أن يعطيني زوجًا من هذه الأحذية!
أخذت السيّدة بيد الطفل ودخلا المخزن، وطلبت من البائعة أن تعطيها ستّة أزواج من الجوارب، ورجتها أن تحضر الماء الساخن ومنشفة.
فما كان من البائعة أن أحضرت كلّ ما طلبت منها السيّدة بطيب خاطر.
نزعت السيّدة قفّازيها وغسلت رجلَي الطفل ونشّفتهما.
وهنا كانت البائعة قد أحضرت أزواج الجوارب الستّة.
ألبسته السيّدة أحدها وطلبت توضيب الباقي وإعطاءه للطفل. كما اشترت له الحذاء الذي أراده، ومسحت على رأسه، وقالت له:
من دون شكّ، تشعر أنّك الآن أحسن؟
دفعت السيّدة ما قد ترتّب عليها، وأدارت ظهرها لتذهب. عندها شدّها الطفل من يدها ورمقها بعين دامعة وسألها:
هل أنتِ ملاكٌ مرسلٌ من عند الله؟
لا تحدّثني عن إيمانك بالله، وقيامك بالفروض المتوجّبة عليك، وبالنوافل المستحبّة، بل دعني أرى كلّ ذلك في تصرّفاتك!