في جلسة صباحيّة مع رجل تجاوز الثّمانين من عمره عرفته في شبابي، ولا زلت حتّى السّاعة أزوره ويزورني ويأخذنا الكلام في عمق الأحوال ونحن نرتشف فنجان القهوة والتي اتّفقنا على تناولها "حلوة" بعكس "أيّامنا المرّة".
فمن حوالى الأسبوع التقينا في منزله المتواضع في الأثاث، والغنيّ باللوحات المعلّقة على الجدران من خطّ يده والتي تتحف قارئها بالحِكَم والمواعظ الحسنة، وفي أثناء ارتشاف فنجان قهوتنا المعهودة قال لي وبلسان المتحدّث اللبق والحكيم:
"مرحبًا بك في القرن الواحد والعشرين، حيث الجنس الحرام مجّانيّ والحلال مكلف جدًّا.
حيث وصول البيتزا السّاخنة أسرع من وصول الإسعاف والأمن.
حيث فقدان الهاتف أكثر ألمًا من فقدان الكرامة، والملابس تحدّد قيمة الشّخص.
حيث أضحى الوفاء عملة نادرة، وأصحاب الصّدق والشّهامة من الطّراز القديم.
حيث إنّ المال معبود الجماهير ويمثّل تمثال الحرّيّة والعدالة والمساواة"!
واستطرد قائلًا:
"مرحبًا بك في هذا "المجتمع المنحط"، حيث أصبح الكذب موضة، والخيانة ذكاء، والفقر عيبًا".
وختم كلامه المباح بالقول "مع نظرة تأمّل تتزامن مع آخر نقطة من الفنجان، وتنهيدة حبست أنفاسي":
يا ريّس، أسأل الله أن يحبّك محبّة يطيل بها عمرك، ويكثر بها رزقك، ويزكّي بها أعمالك، فيحبّك الخلق أينما اتّجهت. وجعل أيّامك كلّها سعادة تلفح وجهك وتشرح صدرك.
وبدوري أقول:
اللهمّ أسألك لأحبّتي إيمانًا كاملًا، ويقينًا صادقًا، ورزقًا واسعًا، وراحة بال تترافق مع الأمن والأمان والطمأنينة والسّكينة.
آمين يا ربّ العالمين.