انشغلت الأوساط العمالية والنقابية خلال اليومين الماضيين باقتراح قانون مقدّم من النائب فيصل كرامي حول "التسوية العادلة لتعويضات نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي".
يرمي الاقتراح إلى تعديل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي، لإعادة احتساب تعويضات نهاية الخدمة التي دفعت بعد عام 2019 على إثر تدهور سعر صرف الليرة، وتعويض أصحابها بعد فقدان هذه المبالغ قيمتها الشرائية.
إلا أنه دارت حول الاقتراح تساؤلات عدّة، من أبرزها أنه لم يتضمن تحديد مصادر التمويل، ولم يقدّم معادلة علمية واضحة لإعادة احتساب التعويضات.
ما بين السيئ والأسوأ، أي بين فقدان التعويضات قيمتها تماماً، أو تحميل الدولة الجزء الأكبر من المسؤولية، أتى الاقتراح "مالئ الدنيا وشاغل الناس"، فاتّسم بـ"الركاكة القانونية، والإبهام والالتباس"، بحسب ما رأت اللجنة الفنية في الضمان الاجتماعي في قراءتها للنص كونه "ترك مجالاً للتأويل والاستنسابية عند التطبيق"، وطلب إدخال تعديلات على المادة 51 هي أصلاً موجودة فيها مثل "إضافة نصف شهر عن كلّ سنة خدمة لاحقة للعشرين سنة الأولى".
في خلاصة تقرير اللجنة الفنية، الاقتراح مرفوض من أساسه، مطالبة بإقرار قانون استثنائي لإنصاف المتضررين الذين فقدت تعويضاتهم قيمتها بشرط تحديد المستفيدين وتصنيفهم استناداً إلى معايير علمية عادلة، واعتماد مؤشرات دقيقة لتحديد قيمة الضرر، ثمّ تسديد هذه التعويضات الاستثنائية من صندوق خاص، لا تحميلها للضمان الاجتماعي، أو تركها مبهمة من دون مصادر تمويل.
ومن جهة ثانية، رفضت اللجنة الفنية بشكل مطلق أيّ مسّ بقوانين الضمان الاجتماعي لناحية تعديل المادة 51، إذ رأت "أنّ المسّ بها يهدّد الاستدامة المالية لنظام التقاعد المستقبلي، وخاصةً أنّ هذه المادة عدّلت في قانون إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، الرقم 319، الصادر عام 2023".
وأوصت اللجنة في حال إقرار أي قانون لدعم القوّة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة للمضمونين، أن يكون جزءاً من الموازنة العامة، وأن تدفع الدولة هذه التعويضات مباشرةً من الخزينة، على أن يقتصر دور الصندوق على تحديد قيمة هذه التعويضات أو الفروقات، بوجود مراقب مالي من وزارة المالية.
في تفاصيل الاقتراح "المكتوب على عجل بمصطلحات مختلفة عن المصطلحات القانونية التي صيغ بها قانون الضمان الاجتماعي"، على حدّ تعبير اللجنة الفنية، يُحتسب تعويض نهاية الخدمة على الشكل الآتي: يضرب آخر أجر مصرّح عنه قبل تشرين الأول من عام 2019 بنصف سعر صرف الدولار في السوق عند صدور قرار الموافقة على صرفه، ومن ثمّ يقسم الناتج على سعر الصرف الرسمي القديم 1500 ليرة لكل دولار، ومن بعدها يضرب الرقم الأخير بعدد سنوات الخدمة.
وبطريقة أبسط، يطلب كرامي في مقترحه ضرب آخر أجر مصرّح عنه بـ30 وبعدد سنوات الخدمة، والرقم الناتج هو تعويض نهاية الخدمة المستحق. على سبيل المثال، في حال كان أجر العامل مليونَي ليرة قبل تشرين الأول عام 2019، وعمل لمدة 20 سنة، يكون تعويض نهاية خدمته ملياراً ومئتَي مليون ليرة. ولتعويض هذا العامل الذي استوفى تعويضه بعد عام 2019، طلب المقترح إجراء مقاصة بين ما قبضه عند نهاية خدمته، وبين ما يستحقه في حال إقرار المقترح. وفي حال إغلاق الشركة، تتحمل الدولة كامل قيمة الفرق في التعويضات.
أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يزالون في الخدمة، فيتقاضون تعويضاً قدره أجر شهر عن كلّ سنة عمل لأول 20 سنة، وشهراً ونصف شهر عن كلّ سنة عمل إضافية.
ورغم أن هدف اقتراح كرامي إنصاف العمال المتقاعدين الذين سحبوا تعويضاتهم بعد عام 2019، وتكبدوا خسائر كبيرة نتيجة تدهور قيمة الليرة، إلا أن مضمون اقتراحه أباح من دون تبرير إعفاء أصحاب العمل من جزء كبير من مبالغ التسويات التي يتوجب على صاحب العمل تسديدها.
فبحسب الاقتراح بات يتوجب على صاحب العمل 44% من قيمة التسويات مقابل 56% على الدولة.
كما أن كرامي لم يوضح كيف ستموّل الدولة حصّتها من التسوية للعاملين، ولم يورد سبب تحميل الدولة أكثر من نصف المبالغ المطلوبة، علماً بأنّ تعويضات نهاية الخدمة يقع دفعها على عاتق أصحاب العمل.
فوفقاً للأرقام الصادرة عن الضمان، بلغت المستحقات التراكمية لتعويضات نهاية الخدمة منذ نهاية عام 2019، حتى نهاية عام 2023 حوالي 1745 مليار ليرة، وبحسب المقترح المقدم من كرامي، سيضاعف هذا الرقم 30 مرة ليصبح 52350 مليار ليرة، ما يوازي 585 مليون دولار، يتحمل منها أصحاب العمل 257 مليون دولار، والدولة 328 مليوناً، فمن أين سيأتي الضمان بهذا المبلغ، ومن أين ستأتي الدولة بهذا المبلغ؟
وبحسب تقديرات الضمان، فإن تحصيلات فرع نهاية الخدمة خلال عام 2024 قد تصل إلى 250 مليون دولار مقابل نفقات بقيمة 209 ملايين دولار، علماً بأنّ هذه التقديرات متفائلة جداً وغير دقيقة، وفقاً لتقديرات اللجنة الفنية.
لذا، وجدت اللجنة الفنية في الضمان الاجتماعي اقتراح كرامي بمثابة "تعديل استثنائي مرتبط بظرف استثنائي وبمتضررين معيّنين وفترة محدّدة".
وقالت: "إن العلاج يكون من خلال قانون خاص بعيداً من تعديل المادة 51 من قانون الضمان". واللجنة لم ترفض بالمطلق الفكرة، فوافقت مثلاً على إعطاء المتضررين من المضمونين المسرّحين خلال سنوات الأزمة الأولى تعويضات استثنائية، ولكن اشترطت دفعها من صندوق خاص ينشأ لهذه الغاية.
كما رفضت اللجنة اعتماد الدولار كعملة مرجعية ذات قيمة ثابتة للدفع، ورأت في تثبيت سعر الليرة مقابل الدولار "مؤشراً غير دقيق، ومتغيّر"، فطلبت في المقابل "اعتماد مؤشر أكثر دقة" في تصحيح التعويضات، كـ"اعتماد معدل سعر صرف شهري أو فصلي".
أيّ ضمانات لاقتراح كرامي؟
استغربت اللجنة الفنية في الضمان استخدام عبارة "قيام الصندوق باللازم من أجل الاستحصال على النسبة المخصّصة لمساهمة الدولة" في اقتراح القانون الذي تقدّم به النائب فيصل كرامي، ما يضع الصندوق أمام معضلة تعليق التعويضات في حال عدم تسديد الدولة حصّتها، وسألت عن كيفية تحديد الضمانات لتحصيل هذه الأموال من الدولة، وهل يحق أن يرتّب اقتراح القانون هذا أيّ التزامات على عاتق الدولة؟ وتخوّفت من الضبابية المحيطة بالمقترح وكيفية تحصيل الأموال، إذ يمكن "أن يتيح دفع تعويضات المتضررين من حسابات باقي المضمونين الفردية".
وفي حال دفع الضمان بهذه الطريقة، هل تحوّل هذه الأموال إلى ديون على الدولة، بينما هناك أموال مستحقة للصندوق في ذمة الدولة منذ سنوات.