الأحد 4 آب 2024 12:27 م

شبح الحرب يضغط على ميزانيّة مصرف لبنان


* جنوبيات

 

بات الحديث عن المؤشّرات الماليّة والنقديّة يكتسب أهميّة استثنائيّة في هذه الأيّام بالتحديد، التي تشهد تصاعدًا في الخوف من احتمالات الانزلاق إلى حرب مفتوحة. فالاحتياطات الماليّة بالذات، ستمثّل الوسادة النقديّة التي يمكن الاعتماد عليها في حال توسّع رقعة المواجهة، للاستجابة إلى حاجة البلاد للاستيراد وطلب سوق القطع على العملة الصعبة. والجزء المودع في المصارف المراسلة، من هذه الاحتياطات، هو ما يمكن استخدامه لتمويل التحويلات إلى الخارج. أمّا الجزء المتوفّر كنقد ورقي في مصرف لبنان، فسيكون متاحًا للاستخدام في عمليّات سوق القطع المحليّة. ولهذا السبب، ثمّة حاجة للعودة إلى آخر التغيّرات التي شهدتها هذه الاحتياطات.

تراجع الاحتياطات وتكدّس الإيرادات
يوم أمس الجمعة، نشر المصرف المركزي البيان المالي الموجز، الذي يعبّر عن أرقامه لغاية آخر شهر تمّوز الماضي. الواضح من هذا البيان، هو أنّ حجم الموجودات الخارجيّة -ومن ضمنها الاحتياطات- تراجع بحدود الـ 26.19 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر تمّوز، ليستقر حجم هذه الموجودات عند مستوى الـ 15.45 مليار دولار في نهاية الشهر. ومن المعلوم أنّ هذا الرقم يشمل قرابة الخمسة مليارات دولار من سندات اليوروبوند التي يملكها مصرف لبنان، والتي لا تمثّل احتياطات نقديّة فعليّة، وهو ما يعني أن حجم الاحتياطات السائلة استقرّ عند مستوى يقارب الـ 10.45 مليار دولار.

الانخفاض المحدود في حجم الاحتياطات، قابله ارتفاع موازي، وأكبر، في قيمة حسابات القطاع العام لدى المصرف المركزي. حيث ارتفع حجم هذه الودائع من حدود الـ 5.16 مليار دولار في منتصف شهر تمّوز، إلى قرابة الـ 5.21 مليار دولار في نهاية الشهر. وهذا يعني أن حجم الإيرادات العامّة الإضافيّة التي جرى احتجازها لدى مصرف لبنان قارب الـ 55.75 مليون دولار، خلال فترة نصف شهر فقط. وبهذا الشكل، يصبح من الواضح أن التراجع في حجم الاحتياطات المتوفّرة، بالدولار الأميركي، لم يرتبط باستعمال الدولة لودائعها المحتجزة في مصرف لبنان.

ضغوط سوق القطع
الخلاصة الأساسيّة هنا، هي أنّ حجم الاحتياطات تراجع هذه المرّة، بالرغم من استمرار الدولة في اعتماد سياسة احتجاز الإيرادات. مع الإشارة إلى أنّ هذه السياسة كانت تقوم سابقًا على تعويم الاحتياطات، عبر مراكمة ودائع القطاع العام بالدولار، أو امتصاص السيولة المتداولة بالليرة عبر الرسوم الضريبيّة ومن ثم استعمالها لشراء الدولار من السوق (من دون الاضطرار لطبع كميات جديدة من النقد بالليرة).

يبدو أنّ الضغط على احتياطات مصرف لبنان نتج أساسًا من عوامل مرتبطة بسوق القطع، أي بالطلب على الدولار الأميركي واضطرار المصرف المركزي لتلبية هذا الطلب للحفاظ على سعر الصرف الحالي. إذ تشير أرقام الميزانيّة إلى أنّ حجم الكتلة المتداولة بالليرة في السوق انخفض بقيمة 21.91 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر تمّوز، وهو ما يعزّز احتمال أن يكون مصرف لبنان قد امتصّ هذه السيولة بعمليّات بيع للدولار.

جميع هذه الأرقام، تشير إلى ضغوط معتبرة تعرّضت لها الميزانيّة خلال الأيّام الماضية، وعلى وجه التحديد خلال النصف الثاني من الشهر الماضي، بفعل تصاعد الأحداث الأمنيّة. ورغم ذلك، يبقى من المهم الإشارة إلى أنّ حجم الاحتياطات الفعليّة المتبقية يُعتبر كافيًا ووازنًا، مقارنة بحجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة في السوق، وهو ما يسمح للمصرف المركزي بالحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار النقدي بمعزل عن المخاطر الأمنيّة الموجودة. كما تُعتبر هذه الاحتياطات كافية قياسًا بحاجة السوق للاستيراد، أو حاجة الدولة لتمويل النفقات العامّة بالعملة الصعبة.

مكاسب الذهب: 97.74 مليون دولار
على المقلب الآخر، ارتفعت قيمة احتياطات الذهب في ميزانيّة مصرف لبنان من 22.21 مليار دولار في منتصف شهر تمّوز إلى ما يقارب الـ 22.31 مليار دولار في نهاية الشهر، بفعل تغيّر أسعار الذهب العالميّة. وبذلك يكون المصرف المركزي قد سجّل مكاسبًا بقيمة 97.74 مليون دولار في قيمة الذهب، خلال فترة نصف شهر. وتمامًا كما جرى منذ شباط 2023، استمرّ المصرف المركزي بتنزيل قيمة هذه المكاسب من حجم الخسائر السابقة، المتراكمة في بند “فروقات التقييم”، والناتجة عن عمليّاته مع المصارف التجاريّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ احتياطات الذهب والموجودات الخارجيّة معًا، باتت تمثّل حاليًا –بعد كل هذه التغيّرات- نحو 40% من إجمالي موجودات المركزي.

في النتيجة، يمكن القول أن وضعيّة الميزانيّة الراهنة تحقّق للمصرف المركزي القدرة على التعامل مع تغيّرات مفاجئة على مستوى الأحداث الأمنيّة، وخصوصًا من جهة كفاية الاحتياطات. ومع ذلك، مازالت الميزانيّة تعبّر –وبشكل واضح جدًا- عن طبيعة السياسات غير المستدامة المتبعة من قبل مصرف لبنان ووزارة الماليّة، على مستوى التقشّف الحاد، وطغيان السياسة النقديّة على السياسة الماليّة. لكن في المقابل، يمكن القول أيضًا أن حسابات الدولة لدى مصرف لبنان، ومنها تلك المقوّمة بالدولار النقدي (أو الطازج)، قادرة على تأمين الحد الأدنى من الموارد التي تحتاجها الإدارات العامّة، لتنفيذ أي خطّة طوارئ في حال توسّع نطاق الحرب.

المصدر :جنوبيات