الحرب، والحرب فقط.. هذا ما يريده بنيامين نتانياهو. إذ لم يكد يمضي بضع ساعات على إعلان مكتبه القبول بإجراء مفاوضاتٍ الخميس المقبل للبحث في وقف لإطلاق النار، حتى ارتكبت قوّاتُه مجزرةً جديدة. فمع خيوط الفجرِ الأولى إستهدف الطيران الاسرائيلي المعادي بثلاثة صواريخ مدرسةً تأوي نازحينَ شرقَ مدينةِ غزة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من مئة فلسطيني وإصابةِ العشرات بجروح. الواضح أنّ الجريمة الجديدة ستُفشل المفاوضات التي كانت ستُعقد في القاهرة أو قطر أو ستؤخِّرُها على الأقل، علماً أنّ حماس لم توافق حتى الآن على المشاركة فيها. والواضح أيضاً أنّ نتانياهو، ورغم ليونتِه المستجدة الظاهرة تجاه الإدارةِ الأميركيّة، يريد جرَّ المنطقة إلى حرب شاملة وإقحامَ الولاياتِ المتحدة الأميركية فيها. وهذا ما يُفسّر سببَ عدمِ ردِّ إيران وحزبِ الله حتى الآن على اغتيال اسماعيل هنية وفؤاد شُكر. فطهران والحزب يدركان حقيقةَ نيّاتِ نتانياهو، وهما لا يريدان الحربَ لأسباب كثيرة. في الجنوب، القصفُ الإسرائيلي مستمرٌ برّاً وجوّاً، مقابل استهدافِ حزبِ الله لمواقعَ عسكريّة إسرائيليّة. لكن اللافتَ اليوم هو تجدُّد خرقِ الطيران الإسرائيلي جدارَ الصوت فوقَ العاصمةِ بيروت، ما يشكّل استمراراً للحرب النفسيّةِ التي تخوضها إسرائيل ضدَّ اللبنانيّين.
هل نجح بنيامين نتنياهو في إبادة المساعي المتجددة لوقف إطلاق النار، في موازاة نجاحه في إبادة أكثر من مئة فلسطيني، عدا الجرحى، في استهداف مدرسة التابعين في قطاع غزة؟
هذا هو السؤال الكبير في هذه الأيام الحرجة، التي يتقرر فيها مصير المنطقة بأسرها، سواء بالاتجاه نحو حرب مفتوحة، أو تحقيق الانفراجة المطلوبة بعد تسعة أشهر من القتال، تمهيداً لإطلاق مسار البحث الجدي عن الحلول.
فالسجل الإجرامي الاسرائيلي الذي لم يكن يوماً موضع سؤال، يبدو أنه لم يعد كذلك لدى مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الذي دان تكرار استهداف المدارس التي نزح إليها آلاف المواطنين قسراً. فالمكتب المذكور كشف اليوم أن هجوم الساعات الاخيرة هو الحادي والعشرون الذي يستهدف المدارس التي يأوي إليها الناس منذ 4 تموز الفائت، ما أدى الى استشهاد 274 شخصاً على الأقل، بما في ذلك النساء والأطفال. واعتبر المكتب أن الضربات المتكررة على ملاجئ النازحين تشير إلى فشل إسرائيل في الامتثال الصارم للالتزامات التي يفرضها القانون الإنساني الدولي.
أما في السياسة، فموعد 15 آب الذي حدد لاستئناف التفاوض رسمياً أصبح مدار شك، واتهامات متبادلة بين أكثر من عاصمة إقليمة واعربية وإسرائيل. وفي وقت نقل موقع اكسيوس عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين ان حزب الله قد يهاجم الكيان العبري نهاية الأسبوع الجاري كجزء من الرد المتوقع، اعتبر الحزب في بيان اليوم ان ما أقدمت عليه حكومة العدو من إبادة يؤكد أن الحديث عن وقف إطلاق النار وتحديد مواعيد جديدة للمفاوضات ليست إلا كذبا وخداعاً.
وعلى الخط الأميركي، أبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ان تصعيد التوتر في الشرق الأوسط ليس في مصلحة أي طرف، مكرراً الحاجة الملحة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ما يعزز المناخ الملائم للاستقرار على نطاق أوسع في المنطقة.
وفي المقابل، رأى المستشار السياسي للمرشد الأعلى الإيراني علي شمخاني ان الهدف الوحيد للكيان الصهيوني هو السعي إلى الحرب وإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار. وجزم شمخاني بأن العمليات العسكرية والقانونية والدبلوماسية والإعلامية اللازمة لإنزال عقاب شديد على كيان لا يفهم إلا لغة القوة، قد تمّت.
مع آذان الفجر مجزرة مروّعة ببصمات إسرائيلية ملطخةٍ بالدم الفلسطيني الزاكي. أكثر من مئة شهيد – بينهم الكثير من الأطفال – حصيلةُ غارةٍ إسرائيلية على مدرسةٍ بحيّ الدرج وسط مدينة غزة خلال صلاة الفجر. في الغارة أطلق الطيران الحربي المعادي ثلاثة صواريخ يَزن كلٌّ منها ألفي رطل ما حوّل مدرسة (التابعين) التي تؤوي نازحين إلى أكوامٍ من الركام تنتشر بينها الجثث والأشلاء وينبعث منها أنينُ الجرحى والمفجوعين. أما الحُجج الإسرائيلية فجاهزة: المدرسة كانت مخبأ لمقاتلي وقادة حماس!! وهي حججٌ تدحـَضـُها مشاهد الأطفال والنساء الغارقين بدمائهم في مسرح الجريمة.
وكما العادة لم تحرك هذه الدماء الزاكية ما يسمى بالمجتمع الدولي ودولَـهُ التي تتشدق زورًا في رفع لواء حقوق الإنسان. واللافت أن المجزرة تأتي قبل أيام من موعد الخامس عشر من آب المحدد للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل البحث في تحقيق هدنة بقطاع غزة. والمفارقة أن مصر أحد الوسطاء الثلاثة الذين وجـّهوا الدعوة حذرت من ان مجزرة المصلـّين دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي لإنهاء الحرب. فهل ثمة تحريكٌ أميركي جدّي للمسار التفاوضي بما يتطلبه من ضغط على الكيان الإسرائيلي؟ أم أن الأمر مجرد خلط أوراق ومنح بنيامين نتنياهو مزيدًا من الوقت؟!. ذلك انه منذ إعلان استحقاق الخامس عشر من آب بدأ نتنياهو العمل على افراغ مبادرة الوسطاء الأميركيين والمصريين والقطريين من قوة اندفاعها عندما قال إنه سيُرسل وفدًا إلى القاهرة أو الدوحة لكن للتفاوض على بنود الاتفاق وليس على التنفيذ ما يعني احتمال تحول المفاوضات إلى عنصر لشراء الوقت. وتعزِّز هذا الاحتمالَ جملةُ الشروط التي طرحها نتيناهو ومنها إمساك إسرائيل بملف عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة والسيطرة على محور فيلادلفيا وزيادة عدد الأسرى الأحياء الذين ستُفرج عنهم المقاومة الفلسطينية وطردُ المعتقلين الفلسطينيين الذين سيُطلقُ سراحهم في إطار الصفقة إلى خارج القطاع. من هنا ضرورة ممارسة ضغط جدي على الكيان الإسرائيلي بدل إرسال الأساطيل والأسلحة دعمـًا لنتنياهو وآخرها الافراج عن ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار لإنفاقها على أسلحة أميركية.
في الجانب الإيراني طهران ستوافق على أي اتفاق تهدئة في قطاع غزة يحظى بموافقة حماس والرد على اغتيال إسماعيل هنية مسألة لا علاقة لها على الإطلاق بأي وقف لإطلاق النار. هذا الرد أكده اليوم مجددًا قائد كبير في الحرس الثوري عندما قال: أوامر السيد علي الخامنئي بإنزال عقاب قاسٍ بإسرائيل ثأرًا لدم هنية واضحة وصريحة.. وستـُنفـَّذ بأفضل صورة ممكنة. وتعليقـًا على هذا الكلام الإيراني قال المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي: عندما نسمع خطابـًا مثل هذا يتعين علينا ان نأخذه على محمل الجد وهذا ما سنفعله وأكد ان الولايات المتحدة جاهزة للدفاع عن إسرائيل بموارد وفيرة في المنطقة.
مذبحةٌ في الفجر، وأشهُر عَشَرَة، وما استفاقَ نيامُ العالمِ من سُبات، وما كبَّرَ ضميرٌ في امتِنا الا كعادتِهم على صفحاتِ بيان ..
مجزرةٌ بحصيلةِ مئةِ مصلٍّ شهيدٍ او يَزيد، باستهدافٍ صهيونيٍّ لمركزِ نزوحٍ بمدرسةِ التابعينَ في حيِّ الدرج بغزة، كانت الردَّ الصريحَ من بنيامين نتنياهو على كلِّ المتبجحينَ بفُتاتِ املِ وقفِ اطلاقِ النار، ودليلاً اضافياً عن حقيقةِ الموقفِ الاميركيِّ الذي مَدَّ الجزارَ الصهيونيَ باعتى انواعِ الصواريخِ والاسلحةِ المستخدمةِ في هجومِ الفجر، بحسَبِ ما اشارَ الجيشُ العبري .. أمّا التابعونَ من امتِنا لسيّدِهِ (الجيشِ العبري) الاميركيِّ فقد باعوا أَذانَ الفجرِ منذُ عقود، واشترَوا به ممالكَ وعروشاً، ومنعوا استخدامَ أدراجَ الامةِ إلا للنزولِ تحتَ ادنى مستوياتِ الانسانيةِ والشرفِ والتعاليمِ السماوية ..
ارادَ الصهيونيُ من مجزرةِ الفجر منعَ الصلاة، وترهيبَ المزروعين بارضِهم اوتاداً للسماء، فخلطَ اشلاءَ المصلين والاطفالِ بترابِ غزةَ الحزين، وما استراح، لانَّه لن يَمحُوَ الذِّكرَ ولا حُبَّ الارضِ من أهلِ الايمانِ والثبات، الذين سيجعلون ذاكَ الترابَ موضعَ سجودٍ شكراً للهِ على النصرِ القادمِ على صهوةِ الايام، وإِن جعلَه العدوُ مخضباً بدماءِ التضحيات..
مجزرةٌ كَثُرت على ضفافِ نهرِ الدمِ الذي سالَ منها بياناتُ الاستنكار، بعضُها رفعاً للعتب، ومنها ما هو مؤشرٌ لصوتِ الحقِّ بوجهِ الشيطانِ الجائر، وبينَها ما هو مشفوعٌ بكلِّ اشكالِ الدعمِ للفلسطينيين حتى بالدمِ وجزيلِ التضحيات، وكلِّ ما اُوتِيَ اهلُها من قدرةٍ على اداءِ واجبِ الاسناد ..
مجزرةٌ كأخواتِها يريدُها الصهيونيُ مشهداً معتاداً عندَ ابناءِ الامةِ وعمومِ العالم، ويريدُ من خلالِها القولَ للجميع اِنه غيرُ معنيٍّ بكلِّ الضجيجِ الذي يتحدثُ عن وساطاتٍ ومساعٍ لوقفِ اطلاقِ النار، او قراراتِ المنظماتِ الدوليةِ او ملاحقاتِ المحاكمِ الجنائيةِ او مواقفِ وخطواتِ بعضِ الدولِ الاستنكارية. واِنه يبقى الرقمَ الاصعبَ لدى الاميركي اياً كانَ الحاكمُ في واشنطن ومهما كان ظرفُه ..