الأربعاء 21 آب 2024 09:25 ص

"إنذار جدّي" للبنان نقله هوكشتاين!


* جنوبيات

المفاوضات التي تجريها "حماس" بشأن غزة يسودها التشاؤم. بنيامين نتنياهو نجح في فرض خياراته على الأميركيين، وهو ما اعترف به وزير خارجيتهم، أنطوني بلينكن، الذي بدا منهكاً ومستسلماً في نهاية محادثاته الأخيرة في "إسرائيل". وفشل التسوية في غزة ستكون له تداعيات، خصوصاً في لبنان.

سمحت الظروف الإقليمية والدولية لرئيس وزراء "إسرائيل" لكي يرفع صوته في وجه الحلفاء والأعداء قائلاً: "أنا وحدي سأقرر مصير غزة". فالرجل يسعى للحصول على اعتراف من "حماس" وتغطية من الأميركيين لاستئناف الحرب، بعد تنفيذ بنود الهدنة الموعودة هناك، ما يمكنه من التحكم بالقطاع وحركة الأشخاص على حدود غزة وفي داخلها. هذا المطلب تعتبره "حماس" خضوعاً تاماً للمشيئة الإسرائيلية. ولكن لم يتبقَّ أمام الحركة سوى أوراق قليلة جداً تلعبها، منها العودة إلى العمليات الانتحارية التي نفذتها في الداخل الإسرائيلي خلال مراحل سابقة، وتخلت عنها. هذه الأجواء تشير إلى أن نتنياهو يستعد لتصعيد الحرب في غزة بشكل مكثف بهدف تحقيق الحسم بأسرع وقت ممكن.

في هذا السياق، ليس متوقعاً أن يكون وضع الجنوب اللبناني أفضل. هناك حديث عن تصعيد واسع قد يلجأ إليه الإسرائيليون على حدود لبنان بعد فشل المفاوضات الجارية حول غزة في الدوحة والقاهرة. هذا الانطباع رسخته محادثات الوسيط الأميركي، أموس هوكشتاين، في بيروت.

نقل زوار بعض المرجعيات الرسمية تقديرهم أن مناخات الوضع اللبناني مقلقة جداً، فغالبية القوى الدولية انكفأت عن دعم لبنان، وتستغل "إسرائيل" هذه الفرصة لزيادة الضغوط على الجانب اللبناني إلى أقصى حد. بينما كان الإسرائيليون يطالبون في المفاوضات السابقة بإقامة منطقة عازلة لا تتجاوز 10 كيلومترات، أصبحوا اليوم يصرون على أن تكون هذه المنطقة بعمق 40 كيلومتراً. نتنياهو أبدى تشدداً جديداً في هذه النقطة ورفض أي تفاوض حولها.

المعلومات التي رشحت عن الذين التقوا هوكشتاين تشير إلى أن الجانب الإسرائيلي يستعجل حسم موضوع المنطقة الشمالية، وربما في غضون أيام قليلة، قبل نهاية آب الجاري. لذلك، قد تحدد الأيام القليلة المقبلة مصير لبنان، في ظل الرغبة الواضحة لدى حكام "إسرائيل" الحاليين في خوض الحرب بدلاً من المفاوضات.

في المعلومات أيضاً، أن الجانبين الفرنسي والمصري حاولا الضغط على الجانب الرسمي اللبناني وتحذيره من المخاطر الداهمة. لكنهما توصلا إلى استنتاج أن لبنان لا يمتلك قراره. وعندما طلب الفرنسيون من الجانب الإسرائيلي تفهّم طبيعة هذا المأزق الذي يعيشه لبنان، جاء الرد بأن "إسرائيل" تهدف إلى إبعاد الخطر عن المنطقة الشمالية ولا تعنيها أي اعتبارات أخرى.

هناك اعتقاد في بعض الأوساط الدبلوماسية أن إيران قد لا تتوانى عن خوض مواجهة كبرى مع "إسرائيل" على الساحة اللبنانية إذا اضطرها الأمر لذلك، لاعتقادها أن "حزب الله" سيبقى الطرف الأقوى في لبنان، مهما بلغت خسائره في أي حرب. لذلك، تأمل إيران أن تظل المفاوض الأساسي وصاحب القرار الأول إقليمياً، بينما لبنان ليس سوى حجر شطرنج يتحرك وفقاً للمصالح في أي مفاوضات.

يسعى الإسرائيليون حالياً إلى تصفية الملف الفلسطيني، وقد نجحوا في ذلك من خلال استمرارهم في الحرب في غزة. على الأرجح، سيطلقون مساراً لتنظيم الوضع هناك، الذي سيستمر سنوات، خلاله سينصرفون إلى تسوية تناسبهم في الضفة الغربية أيضاً.

أما في لبنان، فيريد الإسرائيليون حسم الأمور وفقاً لحساباتهم قبل نحو شهرين، أي قبل بدء التحضيرات للعام الدراسي الجديد في المنطقة الشمالية. وهذا ما يثير القلق من حصول مواجهات عسكرية. ويستنتج من التقى هوكشتاين أن رد "الحزب" على طروحات نتنياهو سلبي، مما يجعل التهديد الإسرائيلي بمغامرة في لبنان أمراً جدياً. قد لا تلجأ "إسرائيل" إلى اجتياح الأراضي اللبنانية، لكنها ستعتمد خيار التدمير.

السؤال المطروح: في ظل تدهور مؤسسات السلطة، هل سيظل "الحزب" اللاعب المحلي الوحيد القادر على استثمار الوضع، باعتباره الأقوى في بلد ستتعرض جميع مكوناته لخسائر؟ وهل سيصب تدمير الدولة في مصلحة "الحزب" قبل غيره؟

قد يكون ذلك وارداً، لكن كثيرين يعتقدون أن ما بعد حرب غزة والجنوب لن يكون كما قبلهما. لبنان قد يتغير "شكلاً ومضموناً"، ويبدو أنه بات جاهزاً لهذا التغيير، نتيجة الانهيارات المتلاحقة منذ انهيار تشرين الأول 2019 والكوارث التي تلته أو نتجت عنه.

المصدر :الجمهورية - طوني عيسى