غالبًا ما كنتُ أتحدّث مع والدي، تغمّده الله بواسع رحمته، بموضوعات كثيرة ومتنوّعة، وكنتُ أنصت إليه بكلّ جوارحي كي أحفظ كلامه.
وما إن أنتهي من الحديث معه حتّى أبادر إلى القيام بنسخ ما علق في ذهني على الورق. وما زلتُ محتفظًا حتّى اليوم بدفتر الذّكريات.
وأذكر ذات يوم، وبعد أن استيقظ والدي من قيلولة الغداء، وحضّرت الأميرة الوالدة، طيّب الله ثراها، فنجان القهوة، أنّه بادرني بالقول: لقد كبرت يا جمال وأصبحت شابًّا، فقلت له على عجل: وأنت يا والدي "شيخ الشّباب" وما زلت محتفظًا بحيويّتك ونشاطك ما شاء الله.
فردّ عليّ وعيناه تلمعان بدمعة دفينة أبى أن يخرجها إلى العلن كي لا أراها، وقال: لن يكون عمرك كلّه ربيعًا. ستتناوب عليك الفصول الأربعة، فتلفحك الحرارة، وتتجمّد في صقيع الوحدة، وتتساقط أحلامك اليابسة، لكنّ حياتك ستزهر مجدّدًا.
كثيرون ماتوا بالأمس ونحن لم نمت، وكثيرون لم يقوموا هذا الصباح ونحن قمنا.
هذه ليست قوّة فينا، أو رغبة منّا، "هذه نعمة الله علينا"، فالحمد لله أوّلًا وآخرًا.
وخلص إلى القول مذكّرًا بالحديث الشّريف: احفظ الله يحفظك وتجده أمامك.
فيا ولدي إذا حفظ العبد ربّه أي حفظ حدود الله وامتثل بأوامره، وانتهى عمّا نهاه عنه، فإنّ الله يحفظه ويبارك به ويباهي به ملائكة قدسه، وسيجد الله دائمًا عونًا له وناصرًا ومؤيّدًا.
جعلنا الله وإيّاكم ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.