ليس بالأمرِ اليسيرِ أن تجتمعَ ميزاتٍ مُتعددة بشخصيةٍ واحدة، مثلما تجسّدت في الرئيس الراحل الدكتور سليم الحص.
ابن بيروت العُروبة، والنضال المُنتمي إلى الطبقات الشعبية فيها، التي عانت لأجل نيل لُقمة عيشها، فعرف معنى الكفاح في سبيل ذلك، منحازاً إلى صُفوفِ الطبقات الشعبية.
عانى اليُتم مع فقدان والده، وهو ابن السبعة أشهر، فكان الاحتضان الأُسري وتدبير الحال، ليتعلّم من ذلك الكثير، ويُرافقه في مسيرة حياته.
لم يسعَ يوماً من الأيام لأي منصبٍ، بل كانت تجتمع الضرورات لتقود إلى شخصه.
آمن بالعلم، فنهل منه، طالباً مُتفوّقاً، وأُستاذاً جامعياً لامعاً، واقتصادياً يحسب الأمور بدقّة، ترجمها بشكل عملاني، وبإصدار مُؤلفات عدة.
ربما قدر لبنان أن يكون له شخصية مثل الرئيس الحص في الملمات الصعبة، حين شكل حُكومته الأولى في العام 1976، بعد انتخاب صديقه إلياس سركيس رئيساً للجمهورية، وبعد عامٍ من اندلاع الحرب العبثية في العام 1975، ليُصبح مجموع ما تولّاه برئاسة الحُكومة 5 مرات.
وقد شهدت الحُكومات التي تولّى رئاستَها العديد من المحطات الهامة، فكان في رئاسة الحُكومة التي أقرّت «اتفاق الطائف» في المملكة العربية السعودية في العام 1989.
وشهد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في 25 أيار/مايو 2000.
بعدما كان قد عايش العُدوان الإسرائيلي المُتواصل على لبنان، واجتياحه وغزواته، وبقي صامداً بين أهله، فلم يُفارق العاصمة، بيروت، التي أحب.
لم تنفع مُحاولات الاغتيال السياسي أو الجسدي مع الرئيس الحص، فبقي صلباً بمواقفه، التي لم يُبدل فيها تبديلاً، بنظرة شُمولية إلى لبنان الوطن المُستقل، عربي الانتماء.
بعد الانتخابات النيابية في العام 2000، وعدم مُحالفته الحظ، أعلن عُزوف العمل السياسي، لكن لم يستقل من عمله الوطني، وأسّس في العام 2005 «منبر الوحدة الوطنية».
في محطاتٍ عدة، كُنا نلتقي فيها الرئيس الحص، نلمسُ أن فلسطين تسكُن قلبه وعقله ووجدانه، فآمن بقضية فلسطين وعدالتها، ودافع عن أهلها، وحمل هُمومها إلى المحافل كافة.
الراحل الذي شهد إنجازات عدة، كان يُملي النفس بتحقيق أُمنيته بتحرير فلسطين، وهو الأمل الذي سيتحقق إن شاء الله، بفعل صُمود أبنائها ودعم المُخلصين.
ستبقى فلسطين تحفظ للرئيس الراحل مواقفه الوطنية التي لا تُنسى.
تتعددُ الصفات التي تجتمع بالرئيس الحص، الآدمي، الوطني، المُثقف، نظيف الكف، المُستقيم، صاحب الموقف الوطني الجريء والواضح والصريح، فلا يُحب مزيج الألوان الرمادي، فالأمور بالنسبة إليه، بين لونين، أسود أو أبيض!
مارس قناعاته قولاً وعملاً، ما أراح ضميره، حتى أضحى ضمير لبنان.
يرحل الرئيس الدكتور سليم الحص (عن 95 عاماً)، وهو مُقتنعٌ بما سار عليه وحققه، وإن كانت الأماني مُتعددة، لم يتمكن من تحقيق البعض منها بفعل الحسابات الضيقة لأصحاب المصالح والمنافع الشخصية!
رحم الله الرئيس الحص، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أُسرته وعائلته ومُحبيه الصبر والسلوان.
الرئيس الحص.. التزامٌ بالقضية الفلسطينية
https://www.maannews.net/articles/2124156.html