الخميس 5 أيلول 2024 20:52 م

البتكوين.. هل هي كنز رقمي أم مجرد فقاعة استثمارية؟


 

في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، برزت عملة البتكوين كظاهرة فريدة من نوعها، حاملة معها وعودًا بقلب مفاهيم المال. فهل هي حقًا ثورة مالية، أم مجرد فقاعة ستنفجر حتمًا؟ هذه هي المعضلة التي حيرت الخبراء والمستثمرين على حد سواء.

منذ ظهورها، أثارت البتكوين تساؤلات حول طبيعتها الحقيقية: هل هي كنز رقمي أم مجرد حصاة رقمية؟ ومع ارتفاع أسعارها إلى آفاق جديدة، وتقلباتها الحادة، تزداد الحاجة إلى فهم أعمق لهذه الظاهرة، وتقييم فرصها ومخاطرها. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن نثق بعملة لا تُستخدم كعملة تقليدية؟

وفي تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، واطلع عليه موقع "سكاي نيوز عربية"، تم تشبيه العملات المشفرة بأحجار الشاطئ الجميلة. يحبها البعض ويجمعونها، بينما يقدر البعض الآخر جمالها ويتم تبادلها بأسعار معينة.

وأشار التقرير إلى أن إحدى أبرز المعضلات تتمثل في أن البتكوين لا تستخدم على نطاق واسع كوسيلة للدفع مقابل السلع والخدمات، بعكس العملات التقليدية. وهذا يثير تساؤلات حول قيمتها الحقيقية وكيفية تقييمها. فعلى الرغم من أن سعر العملات التقليدية يعتمد على العرض والطلب في السوق، فإن قيمة البتكوين تتأثر بعوامل أخرى مثل التوقعات المستقبلية والتطورات التكنولوجية.

وعلى الرغم من الشكوك المحيطة بالبتكوين، يرى البعض فيها مستقبل المال، معتبرين أنها توفر نظامًا ماليًا لامركزيًا آمنًا وشفافًا. ومع ذلك، يحذر خبراء من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في العملات المشفرة، مثل التقلبات الشديدة في الأسعار واحتمالية حدوث عمليات احتيال.

شهدت عملة البتكوين ارتفاعًا بنسبة 38% خلال العام الحالي، لكنها سجلت أيضًا انخفاضًا حادًا بنسبة 10% خلال شهر أغسطس الماضي، وهو أسوأ شهر لها منذ أبريل الماضي. هذه التقلبات تعكس الطبيعة المتقلبة لسوق العملات المشفرة وتجعل من الصعب التنبؤ باتجاه أسعارها في المستقبل، وفقًا لتقرير الشبكة الأميركية.

جاذبية البتكوين

في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول علي حمودي، الخبير المالي والرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons": "تكمن جاذبية البتكوين في إمكاناتها الثورية. فهي تعمل على سلسلة كتل لامركزية، مما يزيل الاعتماد على البنوك المركزية والحكومات. وتعد هذه الطبيعة اللامركزية بالحرية المالية وزيادة الأمن من خلال سجلات المعاملات الشفافة، وإمكانية الوصول العالمية، خاصة لأولئك المستبعدين من الخدمات المصرفية التقليدية".

كما أن العرض المحدود من البتكوين، الذي يتناقض مع الاتجاهات التضخمية للعملات الورقية التقليدية، يضعها أيضًا كتحوط محتمل ضد عدم الاستقرار الاقتصادي.

ومع ذلك، يشير حمودي إلى أن تقلبات البتكوين تشكل مصدر قلق دائم، حيث تخضع قيمتها لتقلبات جامحة مدفوعة إلى حد كبير بالمضاربة. وهذا يخلق بيئة استثمارية محفوفة بالمخاطر، مما يجعل من الصعب التنبؤ باستقرارها على المدى الطويل. كما أن هذه التقلبات العالية تجعل من الصعب القيام بالمعاملات اليومية كما هو الحال مع العملات التقليدية.

الثقة تعتمد على أمان البلوك تشين

وفيما يتعلق بالثقة في البتكوين كعملة لا تُستخدم كعملة تقليدية، يقول حمودي: "ربما تكون مسألة الثقة في البتكوين هي الأكثر أهمية. هل يمكننا حقًا أن نثق في عملة رقمية لا تعمل ضمن الإطار المالي التقليدي؟ هذا يعتمد على أمان الـ (بلوكتشين) وقدرتها على تحمل الهجمات والقرصنة والبقاء محصنة ضد العبث. ومع ذلك، وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي، لا تزال نقاط الضعف قائمة، كما يتضح من أحداث الاحتيال السابقة".

لكنه يذكر أن التبني الواسع النطاق يعد عاملاً حيويًا آخر. ولكي تكتسب عملة البتكوين ثقة حقيقية وواسعة النطاق، يتعين عليها أن تتجاوز كونها أصلاً مضاربياً وأن تصبح وسيلة قابلة للتطبيق في المعاملات اليومية. كما أن الوضوح التنظيمي أمر بالغ الأهمية. فبينما تكافح الحكومات والهيئات التنظيمية حول كيفية تنظيم عملة البتكوين، فإن حالة عدم اليقين التي يعيشها المستثمرون سوف تستمر.

وفي حال بدأت البنوك المركزية والحكومات في فرض مزيد من الرقابة والسيطرة على العملات المشفرة، يتساءل حمودي ما إذا كانت البتكوين ستظل رمزًا للحرية المالية والسرية. واصفًا إياها بالظاهرة المعقدة والمتطورة، التي لديها القدرة على إحداث ثورة في عالم التمويل، وتوفير قدر كبير من الشفافية والأمان والتحرر من القيود.

مستقبل غير مؤكد

بصفة عامة، إن مستقبل هذه العملة الرقمية المشفرة غير مؤكد. ويعتمد مسارها نحو التحول إلى عملة عالمية على التقاء عوامل الابتكار التكنولوجي، واعتمادها على نطاق أوسع، واستقرارها التنظيمي، وزيادة الثقة بين المستخدمين. ويبدو أن الرحلة ستكون مليئة بالمنعطفات والتقلبات، وستشكل النتيجة مستقبل التمويل، مما قد يؤثر على الاقتصاد العالمي للأجيال القادمة، وفقًا لما قاله الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons"، الذي يرى أن المستثمرين في الوقت الحالي وحتى إشعار آخر يجب أن يعتبروا البتكوين والعملات المشفرة الأخرى فئة أصول عالية المخاطر ويتعاملون معها على هذا الأساس.

البتكوين لا تمتلك الشروط الأساسية للنقود

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY"، الدكتور نضال الشعار، في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن صفة العملات الرقمية على البتكوين والإيثريوم والريبل وغيرها هو تعبير مجازي في أحسن الأحوال. لا يمكن أن نعتبر هذه الأدوات عملات حقيقية أو نقوداً، لأنها تفتقر إلى الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في النقود، ومن أهم هذه الشروط سلطة جهة الإصدار وقوة الإبراء. هذه الشروط لا تتوفر في العملات الرقمية نهائياً، وبالتالي لا يمكن أن نصنفها حالياً إلا كسلع قابلة للتداول".

لا يمكن إنكار أن هذه العملات استحوذت على مجال كبير في التداولات وتصفيات الذمم والمقاصات، لكن ذلك يتم من خلال قبول المتعاملين بهذه العملات، أي قبول الأطراف التجارية باستلام وتسليم هذه العملات كطريقة لتصفية الحسابات والشراء والبيع، وهو أولاً وآخراً على سبيل المقايضة التي ستنتهي بالنقود، لأنها مرحلة متوسطة بين الشراء والبيع ومن ثم استخدام العملات الرقمية ثم تسييلها إلى نقود حقيقية.

وأوضح الشعار أن "العملات الرقمية ليست سوى سلع يتم تداولها في السوق بشكل مقايضة أو لتصفية صفقات ولا أحد يعلم ماهيتها وكيف تتم وما الغرض منها. حين إنشاءها لم يكن القصد أن تأخذ مكان النقود، بل القصد أن تكون طريقة جديدة للتداول والاستغناء عن النظام المصرفي، وهذا شيء يثير الشبهات بالنسبة للمحللين وحتى للأشخاص العاديين. فلماذا نتخلى عن النظام المصرفي ونلجأ إلى طرق أخرى؟ هذا السؤال لا يزال بدون جواب حتى الآن".

صفقات مشبوهة

ويستطرد بقوله: "الصفقات التي تمت من خلال العملات الرقمية كانت فيها بعض الشبهات. هذا لا يعني أن كل من يتداول العملات الرقمية معرض للشبهة، لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الصناعة لا تزال غير واضحة لأغلب المستثمرين والمستهلكين. فهي طريقة جديدة لا شك فيها، وفيها الكثير من الفوائد والميزات، ولكن لا نعلم إلى أين ستقود هذه الطريقة في موضوع تعامل الأشخاص مع بعضهم وتصفية الصفقات والحسابات، وكيف ستؤثر على السياسات النقدية للحكومات".

وتساءل الدكتور الشعار عن رد فعل السلطات النقدية في العالم تجاه التعامل بالعملات الرقمية. فبحسب رأيه، استخدام العملات الرقمية سينزع بطبيعة الحال قدرة المصارف المركزية على السيطرة على حجم العرض من النقود، وهي أداة رئيسية تقوم المصارف المركزية بإدارتها لتحقيق النمو الاقتصادي وتخفيف معدلات البطالة، بالإضافة لأسعار الفائدة. "هل ستتخلى هذه المصارف عن قدرتها للتحكم في حجم عرض النقود في الاقتصاد؟ لا أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث قريبًا".

ويرى كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" أن العملات الرقمية أصبحت اليوم ركناً جديداً في البورصات العالمية، حيث يلجأ إليها المستثمرون في حال عدم ثقتهم بما يقومون بالاستثمار فيه. أي أنها بديل مؤقت بدليل التقلبات العنيفة في أسعارها، وهذا قد يكون مرده إلى دخول وخروج مستثمرين بشكل مؤقت وبمجموعات كبيرة، ما يؤدي إلى تقلبات عنيفة في الأسعار. ويمكن اعتبار هذا البديل شكلًا من أشكال المضاربة، لأن هذه التقلبات السعرية هي مظهر أساسي لما يسمى بالمضاربة في الأسواق.

المصدر : جنوبيات