كأنه كان يعرف مؤشرات مرضه العضال الذي انهك جسده قبل أن يشخّص الأطباء متأخرين حالته. ولم يُسلّم بنتائج تقرير الطبيب الذي عزا آلام فخذ رجله اليسرى وارتفاع معدل الكريات البيض في الدم إلى وجود فيروس في جسده، ولن يستغرق علاجه أكثر من شهرين، وأن لا خطر على حياته. إلا أن أوجاع الشاب شريف قيس الشديدة والغامضة أنبأته بأن مرضه أكثر من فيروس. كيف تلقف قيس خبر إصابته بالفيروس، وما هو حقيقة مرضه؟
يقول لـ"النهار": "لم أقتنع بتشخيص الطبيب الأولي وبقيتُ مصراً على أن الأمر أكثر من ذلك". وراح يجري بحثاً معمّقاً على الانترنت علّه يتوصل إلى دلائل أكيدة تخوّله اقناع الأطباء بها، وقد هيأ نفسه لثلاثة احتمالات يمكن أن تكون إحداها الى السبب المباشر في اضعاف معدل "الكريات البيض، إما خلل في جهاز المناعة، أو سرطان في الدم "لوكيميا، أو فيروس".
قبل أن يروي شريف ما حصل معه، يخبرنا أنه عاش مرحلتَي الطفولة والمراهقة على نحو طبيعي. فهو اليوم في سن الـ22، ويحمل شهادة في الحقوق من الجامعة اللبنانية ويتابع دراسته للحصول على "الماجستير". وهو يعمل موظفاً لدى إحدى شركات التأمين ويهوى الرياضة ويمارس مختلف أنواعها.
في تموز 2015، وفيما كان بإجازة في سويسرا، يقول: "شعرت بآلام حادة في فخذ رجلي اليسرى، فتناولت أدوية مسكنة، إلا أن الوضع ازداد سوءًا فعدت إلى لبنان وقصدت الطبيب الذي طلب مني صورة شعاعية وتبيّن له، وفق تشخيصه، أن الأوجاع ناجمة عن فيروس أو مزق في العضل واكتفى بوصفة دواء مسكن للوجع".
إلاّ أن شريف لم يعد يحتمل الوجع المتواصل الذي انتقل إلى رجله اليمنى كما انسحب على يديه، مع ارتفاع في الحرارة على نحو غير طبيعي وشعور بانحطاط الجسم مما اضطره إلى زيارة طبيب آخر في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. وبعدما خضع لفحوص مخبرية معمّقة، أتت النتائج مطابقة لتوقعاته "رغم أن الطبيب قال أن شفائي ليس بالأمر الصعب ظناً منه أنني غير مدرك لإصابتي بسرطان الدم، مع أنني من أول العالمين به".
مرحلة من المعاناة والأمل في آن
تلقف شريف خبر مرضه للوهلة الأولى بابتسامة، وما لبث أن شعر بضيق "لكوني أدرك تماماً أن هذا المرض عضّال ويتطلب علاجات طويلة وانقضاء وقت غير محدد في المستشفى للشفاء منه، إذا لم أمت".
مكث شريف في المستشفى نحو سبعة اشهر يواكب تطور مرضه الفتّاك. ويفيد: "خضعت إلى مرحلة طويلة من العلاج الكيميائي Chemotherapy، وبعد ذلك أُجريت لي عملية زرع نقي العظم، تبرع به شقيقي من "بذور الدم" مع أن تلك البذور كانت مطابقة بنسبة 50% فقط، وكان احتمال نجاحها ضئيلاً جداً، ومع ذلك اتكلت على مشيئة ربّ العالمين من دون تردد". بعد العملية مكث شريف في غرفة عازلة في المستشفى لأكثر من ثلاثة أشهر بدلاً من شهر بسبب المضاعفات الصعبة والخطيرة التي واجهها إلى درجة وصلت فيها حياته إلى شفير الموت.
اليوم، عاد شريف إلى حياته الطبيعية بعدما شُفي من المرض، وقد غادر المستشفى في أيار الفائت مستعيداً نشاطه وحياته العملية والإجتماعية.
يعتبر قيس أن قوته وعزمه على الإستمرار في الحياة ومواجهة الآلام والعذاب، استمدهما من عائلته التي وقفت إلى جانبه، فضلاً عن دعم الأصدقاء والمحبين الذين ساهموا في التخفيف من ثقل هذه المحنة الصحية والنفسية والمعنوية عليه. وينتهز الفرصة ليقول أن هناك أخطاء تحصل، وقد يرتكبها الإنسان عن قصد أو بغير قصد، "ولا يُستثنى الطاقم الطبي من الوقوع فيها، وغالباً ما يكون الأمر ناجماً عن إهمال أو لامبالاة". ويوضح في هذا الإطار أنه لم يأت على ذكر هذا الموضوع بهدف تشويه سمعة أطبائنا ومهنتهم النبيلة، إلاّ أن "الإهمال الذي لحق بي من بعض الأطباء لعدم إجرائهم تشخيصاً مبكراً ودقيقاً لمرضي كاد يُنهي حياتي دونما حسيب أو رقيب".
قصة شريف الممزوجة بالأمل والأمل سطّرها في كتاب بالإنكليزية عنوانه: " am A Living Legend" أو "أنا اسطورة حيّة"، ناقلاً فيه معاناته مع المرض الخبيث وإصراره على التحدي والصبر، متمسكاً بالحياة حتى اللحظة الأخيرة... وكان له ما أراد.