محاولة لكشف الغموض حول صاحبة شركة رخصة أجهزة "البيجر" التي انفجرت في لبنان!
تتحدث كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو (49 عاماً) بسبع لغات، وحصلت على درجة الدكتوراه في فيزياء الجسيمات، وشقتها في بودابست مليئة بلوحات من رسمها، وتتضمن مسيرتها المهنية أعمالاً إنسانية أخذتها إلى أنحاء إفريقيا وأوروبا.
لكن الشيء الذي تقول المرأة، التي تحمل الجنسيتين الإيطالية والمجرية، إنها لم تصنعه هو أجهزة "البيجر" للاتصال اللاسلكي التي انفجرت وقتلت 12 وأصابت أكثر من ألفين في لبنان هذا الأسبوع.
وبعد الكشف عن أن شركة (بي.إيه.سي كونسالتينج) للاستشارات، التي تشغل بارسوني أرسيدياكونو منصب الرئيسة التنفيذية والمالكة لها، هي التي لديها رخصة تصميم أجهزة "البيجر" من شركة التصنيع الأساسية التايوانية غولد أبوللو.
قالت المرأة لقناة "إن.بي.سي نيوز": أنها "لم تصنع تلك الأجهزة وإنها مجرد وسيطة".
وأضافت: "أعتقد أنكم فهمتم الأمر على نحو خاطئ".
منذ ذلك الحين، لم تظهر علناً مرة أخرى، يقول جيرانها إنهم لم يروها، ولم ترد بارسوني أرسيدياكونو على مكالمات ورسائل بريد إلكتروني من "رويترز" ولم يكن هناك أحد في شقتها عندما زارتها "رويترز" في وسط بودابست، حتى شقتها في بناية عتيقة في بودابست أُغلقت.
وبعد نشر هذه القصة، حاولت "رويترز" التواصل معها مجدداً لكنها لم تتلق أي رد.
وقالت الحكومة المجرية، يوم الأربعاء: "إن شركة "بي.إيه.سي كونسالتينج" هي شركة للوساطة التجارية وليس لديها موقع تصنيع في البلاد وإن أجهزة "البيجر" لم تدخل المجر قط".
أسفرت نقاشات مع معارف لها وزملاء سابقين في العمل عن رسم صورة لامرأة على قدر مبهر من الذكاء لكن مسيرتها المهنية متقطعة ودائمة التحول بسلسلة من الوظائف قصيرة الأمد التي لم تستقر فيها أبداً.
أحد معارفها ممن تعرفوا عليها مثل آخرين في مناسبات اجتماعية في بودابست وطلب عدم ذكر اسمه، قال: أنها "حسنة النية، وطباعها لا تشبه رجال وسيدات الأعمال، أقرب لشخص يحاول دائماً تجريب أمر جديد، ويؤمن بسرعة بالأمور ويتحمس لها".
عين كيليان كلاينشميت، وهو مدير سابق مخضرم في مجال الإغاثة الإنسانية في الأمم المتحدة، بارسوني أرسيدياكونو في 2019 لإدارة برنامج ممول من هولندا لمدة ستة أشهر لتدريب الليبيين في تونس على مجالات مثل الزراعة المائية وتكنولوجيا المعلومات وتنمية الأعمال، لكنه وصف قرار تعيينها بأنه "خطأ" كبير.
وقال: "إنه سمح لها بالرحيل قبل انتهاء عقدها بعد خلافات بينهما بسبب طريقة تعاملها مع الموظفين"، ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق من صحة هذه الرواية من مصادر مستقلة.
وفي شقتها في بودابست، تقف بوابة من الصلب على دهليز صغير يمكن من خلاله رؤية لوحات لعراة بألوان يغلب عليها البرتقالي والأحمر معلقة على الجدران، ويوم الأربعاء، عندما زارت "رويترز" لأول مرة البناية كان هناك باب داخلي يؤدي لشقتها مفتوح جزئياً لكنه صار مغلقاً عندماً عاد مراسل من "رويترز" يوم الخميس ولم يرد أحد على طرقات على الباب.
وقالت امرأة تعيش في البناية نفسها: "إن بارسوني أرسيدياكونو كانت مقيمة بالفعل هناك عندما جاءت هي إلى المبنى ووصفتها بأنها طيبة وهادئة لكنها تتواصل كثيراً مع آخرين".
ويقول منظم مجموعة للرسم: "إنها مارست تلك الهواية ضمن ناد في بودابست لكنها لم تحضر إليه منذ نحو عامين"، وتابع: أنها "بدت تشبه سيدة أعمال أكثر منها فنانة لكنها كانت متحمسة ومنفتحة".
وأعلن أحد زملائها في الدراسة: "إن بارسوني أرسيدياكونو نشأت في أسرة ببلدة سانتا فينيرينا في شرق صقلية لأب عامل وأمها ربة منزل وكانت تذهب لمدرسة ثانوية قريبة من منزلها، كما وصفها ذلك الزميل بأنها كانت متحفظة للغاية في فترة شبابها.
وفي العقد الأول من القرن الحالي، حصلت بارسوني أرسيدياكونو على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة كوليدج لندن ولا تزال أطروحتها عن البوزيترونات متاحة على موقع الجامعة، لكن يبدو أنها غادرت الجامعة دون أن تواصل مسيرتها العلمية.
وقال أكوش توروك، وهو عالم فيزياء متقاعد كان أحد أساتذتها في جامعة كوليدج لندن، ونشر أبحاثاً معها في ذلك الوقت، لـ"رويترز" عبر البريد الإلكتروني: "على حد علمي لم تشرع في أي عمل علمي منذ ذلك الحين".
وتضمنت السيرة الذاتية التي استخدمتها للعمل مع كلاينشميت إشارات لشهادات عليا أخرى في السياسة والتنمية من كليتي الاقتصاد والدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، لكن لم يتسن لـ"رويترز" التحقق من هذه الشهادات.
كما تضمنت سيرتها الذاتية إشارة إلى عملها في عدة وظائف في مشاريع المنظمات غير الحكومية في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.
وفي سيرة ذاتية منفصلة على موقع "بي.إيه.سي كونسالتينج"، وصفت نفسها بأنها "عضو مجلس إدارة في معهد إيرث تشايلد"، وهو مؤسسة خيرية تعليمية وبيئية في نيويورك.
وقالت دونا جودمان، مؤسسة المعهد، لـ"رويترز": "إن بارسوني أرسيدياكونو لم يكن لها أي دور هناك على الإطلاق".
وأضافت: "لقد كانت صديقة لأحد أصدقاء عضو بمجلس إدارة واتصلت بنا بخصوص وظيفة شاغرة في 2018 لكن لم تتلق دعوة للتقدم للعمل".
وتشير السيرة الذاتية أيضاً إلى "عملها في وظيفة "مديرة مشاريع" في "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في 2008 و2009، وتنظيمها مؤتمراً للأبحاث النووية.
وأعلنت الوكالة: أن "سجلاتها تشير إلى أن بارسوني أرسيدياكونو تدربت هناك لمدة ثمانية أشهر".
ولم يقدم الموقع الإلكتروني لشركة "بي.إيه.سي كونسالتينج" الذي أغلق بنهاية هذا الأسبوع تفاصيل تذكر عن أعمالها الفعلية في المجر.
وكتبت بارسوني أرسيدياكونو في سيرتها الذاتية: "أنا عالمة أستخدم خلفيتي المتنوعة للغاية للعمل في مشاريع متعددة التخصصات لاتخاذ قرارات إستراتيجية (في مجالات سياسة المياه والمناخ والاستثمارات)".
وتابعة: "بفضل المهارات التحليلية واللغوية والشخصية الممتازة، أستمتع بالعمل والقيادة في بيئة متعددة الثقافات يحظى فيها التنوع والنزاهة والفكاهة بالتقدير".