الأربعاء 9 تشرين الأول 2024 10:30 ص

ماذا بعد إغتيال السيد نصرالله الذي قاد "الحزب" لأكثر من ثلاثين عاماً؟


* جنوبيات

 

في ضربة إسرائيلية ضخمة استهدفت قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، قُتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الشخصية التي غيّرت لعقود المشهد السياسي في لبنان والمنطقة بأسرها. عملية الاغتيال لم توقف عمليات القصف في لبنان ولا إطلاق الصواريخ اتجاه الشمال الإسرائيلي من لبنان. لكن السؤال الذي بات يفرض نفسه الآن: "ماذا بعد؟"

مقتل نصر الله يمثل حدثا مفصليا يثير تساؤلات جديّة حول مستقبل حزب الله، ويترك فراغا كبيرا في لبنان والمنطقة، فضلا عن تساؤلات متعلقة باستمرارية مشروعه في "مواجهة إسرائيل"، فكل الأنظار تتجه نحو كيفية تعامل الحزب مع هذا التحول التاريخي.

يُصنَّف حزب الله، الذي يحظى بدعم وتمويل من إيران، "منظمة إرهابية" في دول غربية عدة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكذلك بعض الدول العربية. بينما تعتبر الحكومة اللبنانية حزب الله "مجموعة مقاومة شرعية" ضد إسرائيل ولها كتلة برلمانية في مجلس النواب اللبناني.

تحديات جديدة في ظل غياب نصر الله
يقول الصحافي في جريدة "النهار" اللبنانية إبراهيم بيرم خلال حديثه لبي بي سي، الذي تابع لعقود توجهات وأخبار حزب الله، إن مقتل حسن نصر الله، وعلى الرغم من كونه حدثا استثنائيا، لكنه "لن يُغيّر من التزام حزب الله بالمواجهة ضد إسرائيل، خاصة مع استمرار الحرب على غزة"، ويتوقّع أن يواصل الحزب "السير على النهج الذي رسمه نصرالله، وفاءً لما كان يمثله".
وعلى الصعيد الداخلي اللبناني، يرى بيرم أن "المشاعر متباينة بين من يشعرون بالشماتة ومن يعتبرون مقتله ضربة قاسية لحزب الله". لكن على مستوى الحدث بنفسه، يقول بيرم إن "نصر الله كان يعلم أن مصيره قد يكون مشابها لمصير قادة سابقين في الحزب مثل عباس الموسوي- الأمين العام السابق لحزب الله-، حيث كان يُعتبر"مشروع قتيل بحكم مواجهته المستمرة لإسرائيل"، حسب قوله. وكانت إسرائيل قد اغتالت عباس الموسوي عام 1992.
في السياق نفسه، وفي أول تعليق إيراني عقب إعلان إسرائيل مقتل حسن نصرالله، تجنّب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، ذكر نصر الله بالاسم، لكنه استنكر بشدة قتل المدنيين في لبنان، واصفا ذلك بأنه دليل على "قصر نظر وحماقة قادة إسرائيل".

وقال خامنئي إن "المجرمين الإسرائيليين غير قادرين على إلحاق ضرر كبير بحزب الله"، مشيرا إلى أن "جميع قوى المقاومة في المنطقة تقف إلى جانب الحزب. كما دعا المسلمين إلى التضامن مع الشعب اللبناني وحزب الله في مواجهة النظام الغاصب والظالم".
ويرى الأستاذ الجامعي والكاتب محمد علي مقلد في تصريحاته لبي بي سي أن ما حصل قد يمثل فرصة لحزب الله للعودة إلى "موقع أكثر اعتدالا والسعي إلى تسويات تمكن الدولة اللبنانية من استعادة سيادتها على كامل أراضيها". كما يعتبر أن مقتل نصرالله قد يفتح "بابا للحل السياسي في لبنان، بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وضمان حماية عناصر حزب الله اللبنانيين بعد تخليهم عن مشروع إيراني لا ينتمي للبنان".

إيران تحاول التأكيد أن مقتل نصر الله لن يؤثر على قدرة حزب الله أو موقفه في المنطقة، مشددة على استمرار قوة الحزب ونفوذه رغم هذا التحول في القيادة. إذ صرح القائد الأسبق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أحمد وحيدي: "لقد درب حزب الله العديد من القادة، وكل قائد يستشهد يأتي قائد آخر إلى الميدان". في حين اعتبر رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون أن "مقتل نصر الله خطوة كبرى إلى الأمام بالنسبة للشرق الأوسط".

يتوقع مقلد أن غياب نصر الله عن الساحة السياسية قد يقسم حزب الله إلى "تيار متطرف صغير، بينما يعود القسم الأكبر إلى حضن الدولة اللبنانية وترك المشروع الإيراني". ويرى أن الحل الوحيد هو العودة إلى الدولة والابتعاد عن الحروب.
في بيروت، حجم الحدث ينعكس في الشارع، حيث خرج بعض المؤيدين في مسيرات تعبيرا عن حزنهم وغضبهم، بينما يعبر آخرون عن ألمهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى شاشات التلفاز، بدأت قناة المنار التابعة لحزب الله في بث آيات من القرآن الكريم بعد إعلان مقتل الزعيم الشيعي. في الوقت نفسه، لا يزال يعيش العديد من النازحين في الشوارع بلا مأوى، مع استمرار معاناتهم في ظل الهجمات الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل أكثر من 800 شخص، بحسب تقديرات وزارة الصحة اللبنانية.

السؤال الأهم بالنسبة للصحافي ابراهيم بيرم يتمحور حول خليفة نصرالله، والذي يُرجح أن يكون رئيس الهيئة التنفيذية في الحزب هاشم صفي الدين. لكن التحدي الأكبر هو ما إذا كان هذا الخليفة سيكون "قادرا على إدارة الحزب وضبطه مثل نصر الله، الذي كانت شخصيته استثنائية وقادرة على توحيد الصفوف". غياب نصرالله يثير تساؤلات حول مدى قدرة خليفته على ملء الفراغ الكبير الذي تركه في الميدانين السياسي والعسكري.

يضيف بيرم بالقول إنه "على مدى ما يقارب أربعة عقود، لم يكن من المتوقع أن شخصية شيعية مثل نصر الله تلعب هذا الدور المحوري في المواجهة مع إسرائيل، وربما قد يستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن تظهر شخصية استثنائية تضاهي نصر الله. فيصفه الصحافي اللبناني بالـ "قائد والولي الفذ، الذي جمع الحزب سياسيا وعسكريا".

حسن نصرالله رجل دين شيعي تولى قيادة حزب الله عام 1992، إذ أسهم في تحويله إلى أحد أهم الأحزاب السياسية في لبنان. وُلد في عام 1960 في أحد الأحياء الفقيرة في بيروت، وانضم إلى حركة أمل في سن مبكرة. بعد الثورة الإيرانية، أسس حزب الله بدعم من إيران، وأصبح شخصية محورية في حركة المقاومة ضد إسرائيل. وازدادت شعبيته بشكل كبير بعد انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000 وحرب 2006. ثم تحوّل نصر الله إلى شخصية ذات بعد إقليمي لا سيما بعد انخراط حزب الله في القتال داخل سوريا مما أدى إلى انقسام حاد في المنطقة وفي الداخل. رغم الانتقادات، نجح نصر الله في ترسيخ نفوذ الحزب في السياسة اللبنانية، وكان يعتبر أحد أبرز القادة السياسيين والعسكريين في لبنان.

المصدر :BBC NEWS- ديما ببيلي