السبت 26 تشرين الأول 2024 12:29 م

"إسرائيل" تدمر حارات أهل جنوب لبنان وبيوتهم وأسواقهم


ما أصاب النبطية وصور يشبه تماماً ما أصاب العشرات من المدن والبلدات التي دكت الغارات ساحاتها ومتاجرها ومساجدها وكنائسها
يلاحظ المتابعون لمجريات الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان قيام سلاح الجو الإسرائيلي بعملية تدمير منهجية للساحات والأحياء وبيوت الناس ومتاجرهم ومزارعهم في المدن والبلدات الجنوبية، ممهداً لذلك بإنذارات إخلاء للأبنية المسكونة إلى مسافة مداها 500 متر، كما حل في مدينة صور الساحلية الثلاثاء الماضي، أو بصورة مفاجئة على نحو ما حصل في مدينة النبطية عاصمة المحافظة والقضاء منذ أيام قليلة، إذ دمرت الصواريخ الارتجاجية الضخمة مربعات سكنية وتجارية بحد ذاتها، فلم يبق لأصحابها ومن معالمها غير أكوام متناثرة من الركام وأطلال ما كان.
تدمير إنساني
كانت مدينة صور قبل الغارات الأخيرة تضم نسبة عالية من سكانها الأصليين إضافة إلى عدد كبير من النازحين إليها منذ أكثر من سنة من قرى المواجهة الحدودية، وجاءت الإنذارات المفاجئة لتخلق حال إرباك غير متوقعة دفعت بالمئات من سكان الأبنية المهددة بالقصف إلى مغادرة شققهم حتى بثياب النوم. هؤلاء جميعهم أضحوا اليوم من دون منازل آثروا السكن فيها على رغم مرارة البقاء وسط جحيم الحرب على ذل النزوح، يضاف إليهم عدد آخر ممن فقدوا مصادر أرزاقهم من مؤسسات ومتاجر كانت تقع في أسفل هذه الأبنية التي أضحت خراباً، إلى سكان الأبنية المجاورة التي تصدعت وتضررت.
أما النبطية فتجاوزت مؤسساتها الاقتصادية التي أصيبت بتدمير كامل الـ400، في إحصاء غير نهائي، إذ تحولت مربعات كاملة في وسطها التجاري وأحيائها المختلفة إلى كومة ركام ضخمة دفنت تحتها لافتات أسماء وعناوين المؤسسات والمصارف والدكاكين والعيادات الطبية والمكاتب الهندسية ومكاتب المحامين وشركات التأمين ومئات المصالح المتعددة مع ما تحويه من تجهيزات ومعدات وأثاث وملفات وأرشيف. ولم تسلم بلدية النبطية من التدمير الكلي، وكذلك السرايا الحكومية التي أصيبت بأضرار جسيمة جراء استهدافها المباشر، ناهيك بتدمير عدد كبير من المؤسسات والمعامل والمصانع في المدينة الصناعية التي تمتد من النبطية إلى مرج حاروف على مسافة أربعة كيلومترات غرب المدينة.
ما أصاب النبطية وصور يشبه تماماً ما أصاب العشرات من المدن والبلدات الجنوبية التي دكت الغارات المتتالية والمستمرة منذ ما يزيد على شهر ساحاتها وأسواقها ومتاجرها وحاراتها الشعبية والتراثية ومساجدها وكنائسها ومباني بلدياتها ومراكز الإغاثة والإسعاف فيها. أما بلدات خط المواجهة الأول المتاخمة للشريط الفاصل بين لبنان والحدود الإسرائيلية فقد نال الدمار منها مساحات واسعة، لم تقتصر على غارات الطائرات الحربية المدمرة فحسب، بل على تدمير أحياء كاملة استطاعت القوات الإسرائيلية المتوغلة من الوصول إليها، فزنرتها بأحزمة من الألغام وفجرتها ثم بثت ذلك عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، كي يشاهد أبناء هذه القرى الذين نزحوا عن مساكنهم منذ أكثر من سنة كيف غدت ركاماً وكيف أصبحوا بلا بيوت.
النبطية تفقد مئات المؤسسات
يعرض رئيس الجمعية التعاونية لتجار النبطية محمد جابر كيف "تخطى العدوان الأماكن التي يدعي الإسرائيليون أنها مراكز أو أبنية محسوبة على ’حزب الله‘"، وخير دليل على ذلك سوق النبطية والأبنية التجارية والاقتصادية والمصارف على جانبي شارع "حسن كامل الصباح" التي دمرت بالكامل جراء غارات عنيفة نفذتها الطائرات الإسرائيلية على دفعات ليلاً ونهاراً، "إذ دمرت في ليلة واحدة مربع الوسط التجاري للمدينة أو ما يعرف بساحة النبطية، ليل السبت في الـ12 من أكتوبر الجاري، فدكته كاملاً بكل أبنيته ومتاجره ومحتوياتها التي لم يتمكن أصحابها من أن يخرجوا منها قطعة واحدة".
يضيف جابر "عشرات العيادات الطبية ومكاتب الهندسة والمحاماة وغيرها من المؤسسات التجارية الكبيرة والصغيرة وعلى أنواعها سويت بالأرض في لحظات قليلة، والمؤسف أن جزءاً كبيراً منها كان قائماً على أبنية تراثية يعود عمرها إلى أكثر من 100 عام، وقد أودت هذه الضربة القاسية على قلب المدينة وأصحاب الأبنية وشاغليها من النبطية والقرى المجاورة بأكثر من 200 مؤسسة مختلفة مليئة بالبضائع". ويشير جابر إلى أن "الغارات الإسرائيلية لم تتوقف عن النبطية، إذ استهدفت ثماني غارات متزامنة نهار الأربعاء في الـ16 من أكتوبر الجاري حيزاً آخر من السوق التجارية ومتاجرها إضافة إلى مبنى البلدية حيث سقط 16 ضحية، منهم رئيس البلدية وأعضاء من المجلس البلدي، وقد دمرت جميع الأهداف بالكامل".
شارع الصباح إلى ركام
أما الثلاثاء الماضي الـ22 من أكتوبر "فقد نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات متزامنة على شارع حسن كامل الصباح، إذ تقع المصارف والأبنية التجارية والمؤسسات الكبيرة إلى جانب محطة وقود ومحال كثيرة، فدمرتها دفعة واحدة وأحدثت خراباً في عشرات المتاجر على مسافة 200 متر مربع، تضاف إلى تدمير معظم أبنية الحي المعروف بحي الراهبات وحي السرايا القديمة في النبطية، كذلك أدت هذه الغارات التي لم يسلم منها حي من أحياء عاصمة جبل عامل، فضلاً عن عشرات المتاجر والمؤسسات في المدينة الصناعية بين النبطية وحاروف إلى تدمير أكثر من 400 مؤسسة وورشة ومكاتب وعيادات" بحسب جابر.
وأسهمت الاعتداءات الإسرائيلية التي كانت تتعرض لها مدينة النبطية منذ عام 1974 وما تلاها من حروب، في نشوء مدينة صناعية ضخمة جداً بين غرب النبطية وبلدات زبدين وحاروف وتول والدوير.
ويتحدث عنها جابر قائلاً "صارت هذه المدينة التي تتمركز في محلة مرج حاروف، وتمتد نحو النبطية، وتضم أكثر من 1000 ورشة ومؤسسة، مقصد الباحثين عن قطع السيارات والميكانيك وأثاث البيوت وجميع المتاجر المتعلقة بحياة الناس، من بيروت وطرابلس ومختلف المناطق اللبنانية". يضيف "تعرضت المدينة الصناعية، منذ يومين، إلى سلسلة من الغارات أدت إلى تدمير عشرات المؤسسات والشقق السكنية، منها احتراق مستودع ضخم للإطارات بقي مشتعلاً أكثر من ست ساعات متواصلة".
ويلاحظ جابر أن "جميع هذه الاستهدافات إن دلت على شيء فعلى أن العدو الإسرائيلي يقصد تدمير الشريان الاقتصادي للنبطية ومنطقتها والقضاء على أملاك الناس ومصادر رزقهم ومعايشهم التي أفنوا سنوات طويلة من أعمارهم وهم يبنونها ويعززونها، وجعلوها ذائعة الصيت، ومقصداً لكل البلاد، وهذا لن يتم تعويضه بالسهل، وتحتاج عملية إعادة البناء والترميم إلى ملايين الدولارات".
صور والإنذار الغادر
ويؤكد نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي أن "حضارتنا عمرها 4 آلاف سنة، فينيقية وأشورية وبيزنطية، وهم احتلالهم يبلغ 75 عاماً، ومع ذلك تتعمد إسرائيل استهداف سيدة البحار، وعاصمتها ولؤلؤة المدن المتوسطية الساحلية، وهذا يعود إلى أسباب عديدة منها إخفاق العدو في الميدان الذي حشد له ست فرق عسكرية".
"وهي رسالة كذلك نحو المفاوضات الجارية بغية الضغط على الجهة اللبنانية، وأيضاً لما تشكله صور من منارة سياحية مقصودة من مختلف أصقاع الأرض ومن جميع المناطق اللبنانية، وبما تشكله من تنوع طائفي ومذهبي واجتماعي وبشري لا مثيل له، من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين وأجانب، وهي بفعلها هذا إنما تريد قتل الحياة وتدمير البنية الأثرية والتراثية التي تمتاز بها صور وعماراتها الجميلة، ومن ثم تحقيق مبتغاها في تدمير الحياة الاقتصادية والمهنية والحرفية المهمة التي تشكل مصادر عيش مئات الآلاف من أبناء المدينة والقرى المجاورة. إن الانتقام من المدنيين وارتكاب المجازر في حقهم هو دليل فشل"، على حد قول صبراوي، مضيفاً "صور الصخرة العصية على الإسكندر المقدوني كانت جزيرة، وردم الإسكندر البحر بعد حصار طويل فأصبحت شبه جزيرة مساحتها لا تتجاوز أربعة كيلومترات مربعة، لا توجد فيها أراض زراعية، فكيف ستكون مراكز عسكرية؟ صور لا يوجد فيها غير الآثار التاريخية التي جعلتها مع البحر محطة سياحية مهمة، أما معظم أهلها فهم الشريحة الأكثر فقراً، وجلهم لا يملكون سيارات حتى ينزحوا بواسطتها، هؤلاء المساكين، يضاف إليهم عدد كبير من النازحين، من خطوط المواجهة إلى المدينة باعتبارها ملاذاً آمناً".
ويصف صبراوي كيفية التعامل مع الإنذار لإنقاذ القاطنين في الأبنية المهددة "رحنا بعد الإنذار الإسرائيلي المجرم نتصل بهم هاتفياً، وكانوا نياماً، كي يغادروا بيوتهم بأسرع ما يمكن، ثم طلبنا من الدفاع المدني أن يذيع عبر مكبرات الصوت ويدعوهم إلى الإخلاء الفوري، لأننا ندرك أن عدونا لن يتوانى عن تدمير الأبنية فوق رؤوس ساكنيها والتجارب كثيرة".
تدمير محض افتراء
ويشير صبراوي إلى أن "كل ما فعله العدو تجاه مدينة صور هو محض افتراء وادعاء، فكل الأبنية في المربع السكني الذي دمرته الطائرات بحقد لا يوصف، لا توجد فيها لا مراكز حزبية سياسية ولا مواقع عسكرية، وإنما كانت أبنية تستر في شققها المتواضعة عشرات العائلات المغلوب على أمرها، ممن لا حول لها ولا قوة ولا قدرة على النزوح واستئجار البيوت، فبقيت داخل المدينة قبل أن تلجأ إسرائيل إلى تهجيرهم ثم حرمانهم من مساكنهم".
ويختم صبراوي "كانت هذه الغارات هي الأولى من نوعها على وسط مدينة صور وأتت بعد أقل من ساعة على إنذار وجهه الناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي إلى سكان سبعة أبنية تقع في وسطها، المعروفة بأحياء الرمل، ويطلب إليهم إخلاؤها فوراً. وبعد سلسلة غارات نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية كانت كفيلة بتسوية سبعة مبان بالأرض وتدميرها بصورة كاملة، لم يتسن لأصحابها حمل ثيابهم معهم في الأقل، وهكذا أصبحوا بعد دقائق قليلة بلا مأوى".

المصدر :جنوبيات