رحل الزميل العزيز، صاحب النفس الطويل، والصبر الجميل، والخُلق الكريم، والنظر البعيد، والعمر المديد.
بغياب عاطف السمرا تكون الصحافة فقدت رمزاً مُشعاً من رموز الزمن الجميل للصحافة اللبنانية، يوم كانت "صحافة العرب" في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث كان في مواقع المسؤولية المتقدمة في صحف ومجلات احتلت مكان الصدارة في العالم العربي، وفي مقدمتها مجلة "الأسبوع العربي"، التي كانت في ذروة انتشارها في تلك السنوات.
تقلبت عليه الأيام والمحن مع دخول البلد نفق الاضطرابات والحروب العبثية، ولكنه بقي على تمسكه بما كان يؤمن به بأن لبنان في قلب العرب، وأن العروبة في قلب لبنان، وحافظ على تفاؤله بأن فترات الشدّة والأزمات لا بد أن تعقبها أجواء من الانفراج والاستقرار، على قاعدة "إشتدى أزمة تنفرجي".
لم يبخل يوماً بخبرته المهنية على براعم مهنة المتاعب، فكانت مناقبيته وحماسه للشباب والأجيال الصاعدة، مدرسة بحد ذاتها، لكل من حمل قلماً ودخل بلاط صاحب الجلالة، ووجد نفسه في حقل من الألغام المهنية والسياسية، فلم يجد أمامه غير الأستاذ المخضرم يمسك بيده ليوصله إلى سلوك دروب المهنة النظيفة والصحيحة.
بقي عقوداً من الزمن في موقع "الجندي المجهول"، في مطابخ التحرير في المؤسسات الصحفية التي عمل فيها، وآخرها جريدة "اللـــواء"، حيث تولى مسؤولية عدة أقسام، وعمل سكرتيراً عاماً للتحرير، وكان يدير العمل التحريري بشغف وبدقة مميزة، وأصبح يحمل بين الزملاء لقب "الساعة السويسرية"!
كان مازال في ذروة عطائه، عندما قرر الانسحاب من مهنة المتاعب والأعصاب المستنفرة، ولم تفلح محاولاتنا بإقناعه بأن عطاء القلم لا يتوقف، طالما بقي في القلب نبض يخفق.
كان حازماً في العمل، وبقي حاسماً في قراراته.
وآثر أن يمضي سنواته الأخيرة في مدينته الحبيبة صيدا، بعدما أبعدته ظروف المهنة عنها سنوات طوال.
إلى جنات الخلد يا "أبو هيثم"، وكل العزاء للزميلة العزيزة هنادي، وكل الأشقاء والشقيقات.