من المعروف أن الجاليات اللبنانية المنتشرة في بقاع الأرض لا تشكل جماعات متجانسة في السياسة في البلدان التي تتواجد فيها، وهي أحياناً تعكس المشهد الداخلي، وتتخذ صورة انقساماته في الشؤون التي تعني الداخل اللبناني.
وعندما تتعلق المسألة بالاستحقاقات الانتخابية الخاصة بتلك الدول التي تمتلك تأثيراً أو نفوذاً على المسائل التي تهم أوضاع لبنان والمنطقة، فعادةً تكون المقاربات غير واقعية بما يتعلق بسلوك الناخب اللبناني الأصل، ولا تنطلق بالضرورة من أولويات تتصل بالمصلحة اللبنانية، هذا فضلاً عن كون هذه الأخيرة ليست في الأساس واضحة، محددة أو متفق عليها.
الولايات المتحدة ستشهد خلال أيام، انتخابات رئاسية قد تكون الأهم في تاريخها، وخطورة النتيجة التي ستتمخض عنها، لا تقتصر على الداخل الأميركي، بل على العالم برمته، وعلى لبنان طبعاً لِما أصبح معلوماً من انتظار الفرقاء الإقليميين المعنيين بالحرب الدائرة في المنطقة والعدوان الجاري على لبنان تحديداً، ولا سيما إيران و"إسرائيل"، نتائج الانتخابات لتقرير المواقف والسياسات.
بالأمس، وجّه الرئيس السابق ترامب، رسالة إلى الناخبين الأميركيين من أصل لبناني، يدعوهم فيها للتصويت له ويتعهد فيها بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وبوقف المعاناة والدمار في لبنان، والمحافظة على الشراكة المتساوية بين الطوائف.
ويتطلع للتعاون مع الجالية اللبنانية المقيمة في الولايات المتحدة لضمان سلامة الشعب اللبناني "العظيم" وأمنه.
وعلى ما يبدو أن "السباق إلى البيت الأبيض أصبح لأصوات اللبنانيين الأميركيين تأثير فيه بفعل تركّز التنافس في ولايات متأرجحة يتواجد فيها هؤلاء".
في كتابه "عرب أميركا رهائن بائسة، من أيزنهاور إلى فورد" (دار النهار 2003)، وصف كميل نوفل العرب بأنهم "حجم بلا وزن".
نوفل الذي شغل منصب ترجمان البيت الأبيض، وتناول عهود خمسة رؤساء أميركيين رافقهم في لقاءاتهم مع 17 ملكاً ورئيساً عربياً خلال ربع قرن، اعتبر بأن معظم السياسة العربية تجاه أميركا كان يُعلّب في واشنطن، ثم "يبلغ إلى العواصم العربية للتنفيذ".
وعن الجالية اللبنانية في أميركا، يقول نوفل بأنه سُئل مرات عديدة عمّا إذا كان للبنان "لوبي" بالمعنى المعهود في الولايات المتحدة الأميركية، وجوابه كان دائماً أن للبنان في أميركا شخصيات من أصل لبناني، بارزة ومعروفة وذات نفوذ على الصعيد الشخصي في مختلف المجالات، أما بالنسبة إلى الجالية كمصدر قوّة أو نفوذ، فالواقع أن لا أثر لجالية قوية، بل هناك أفراد أقوياء.
وهناك أيضاً منظّمات لبنانية عدّة غير أنه لا يمكن اعتبار أي واحدة منها بمثابة "لوبي"، إلا أن هذه النظرة إلى الوجود اللبناني في أميركا قد تغيّرت بفعل التطورات الانتخابية الراهنة، وأصبح يُنظر إليهم كجماعة لها وزن وتأثير، وليس فقط كأفراد ناجحين أو نافذين.
شعار حملة الرئيس السابق دونالد ترامب، "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، الذي تحوّل إلى حركة سياسية، لا يعني استعادة العظمة بالقوة والحروب، إنما بما هو عكس ذلك، أي بإطفاء الحروب والنزاعات على المستوى العالمي، أما في الداخل فالعظمة تستعاد من خلال عناوين عديدة أهمها ضبط الحدود، ومنع الدخول غير الشرعي واستعادة عناصر القوة الاقتصادية التنافسية التقليدية، والأهم هو الحفاظ على القيم الأخلاقية والعائلية ومحاربة التيارات الرائجة، التي تتبنى المفاهيم المشوهة للخليقة وتتعارض مع الحقائق البيولوجية، والتي تبنّتها مؤسسات الإعلام والإنتاج الموسيقي والسينمائي، وسواها من قطاعات التأثير والقوى الناعمة التي صنعت تفوّق النموذج الأميركي، وبإمكانها فرض المفاهيم في العالم.
هذا البند يكفي لوحده للتصويت لترامب من قبل كل لبناني وإذا ما أضيفت إليه مضامين رسالته الأخيرة، فلا بدّ من الدعوة إلى تأييده.