الاثنين 11 تشرين الثاني 2024 08:04 ص

فرصة ثانية ضائعة للإطاحة بنتنياهو


* جنوبيات

 

يبدو ان نفوذ وسلطة رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو تقترب من الخطر، ولا يبدو انه محرج من مسلسل الفضائح والشبهات الذي يلاحقه منذ ما قبل عملية "طوفان الأقصى"، كما انه لا يبدو في الافق اي ملامح لقدرة المعارضة الاسرائيلية على القيام بما يلزم لتنفيذ انقلاب ابيض سياسي يقلب الخريطة السياسية في تل ابيب ويضع حداً لجنون نتنياهو وامراض الغرور المزمنة التي يعاني منها. في المرة الاولى منذ اشهر قليلة، كانت المعارضة قاب قوسين او ادنى من تحقيق اسوأ كوابيس نتنياهو والاطاحة به بسبب الفضائح والشبهات التي لاحقته، والتي اضيفت اليها مفاعيل عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما ترتب عنها من نتائج "كارثية" على الاسرائيليين وصورتهم في الخارج. ولكن رئيس الوزراء، على الرغم من كل ذلك، لعب ورقة "الجنون المطلق" التي رأى فيها المخرج الوحيد لازمته فهرب الى الامام وزاد حدة اجرامه وعدم مبالاته بالقيم الانسانية واسس العلاقات بين الناس والقواعد الدبلوماسية البسيطة التي لطالما رعت التواصل بين الدول، حتى انه اغلق الباب بعنف في وجه الامم المتحدة وقال فيها ما لم يجرؤ احد على قوله منذ تأسيسها وحتى اليوم، معتبراً امينها العام شخص "غير مرغوب فيه"!.

استغرب الكثيرون الصمت الدولي على هذه التصرفات، وبطاقة السماح الممنوحة لنتنياهو والتي تغطي كل ما يقوم به، مهما كان هذا الفعل، فعادت الانظار الى الجبهة الداخلية السياسية، وكانت مؤشرات استقالة وزراء حكومة الحرب وحلّها والتي تبعها تحرك اهالي الاسرى الذين لمسوا لمس اليد ان رئيس حكومتهم غير معني بإعادة اولادهم واقاربهم، الى ان تصاعدت الامور مع فضيحة التسريبات الامنية الصادرة عن مكتبه، وقيامه باقالة وزير الدفاع يوآف غالانت في خضم الحرب الدائرة (وهو المقرّب من واشنطن بشكل علني). ازاء هذه التطورات، توقع البعض ان تشهد الساحة الاسرائيلية الداخلية "سخونة" لافتة من شأنها ان تشعل فتيل الاطاحة بنتنياهو من على كرسي رئاسة الحكومة، ولكن ما حصل كان العكس تماماً، اذ فوّتت المعارضة فرصة ثانية لخلع نتنياهو ووضعه في قفص الاتهام، لانه اثبت انه كان متقدماً بخطوة عليهم، وادرك تماماً مخططهم قبل ان ينفذوه، فحصّن نفسه من خلال ضم جدعون ساعر الى الحكومة واستمالته وحزبه وبعض المؤيدين له، بحيث يصبح من شبه المستحيل ان يتخذ الكنيست اي قرار ضده، فيما ضمن بما لا يقبل الشك عدم تنامي التحركات الشعبية التي بقيت (ومن المتوقع ان تبقى) في حدها الادنى الذي يبقي صوت الاعتراض موجوداً، انما من دون فاعلية عملية.

هذه الفرصة الثانية الضائعة، قد لا تتبعها فرصة ثالثة لان الوقت يسير لمصلحة رئيس الحكومة الحالي، واذا تحول الكلام الى افعال، فإن الاسابيع والاشهر القليلة المقبلة ستشهد تسوية او اتفاقاً، ما يعني "دفن" اي محاولة او فكرة لابعاد نتنياهو عن السلطة، لا بل سيتم اعتباره بمثابة "منقذ" اسرائيل، وسيحظى بتأييد داخلي وخارجي حتى ممن لا يتقبّلونه، لانهم سيضطرون الى التعاطي معه بحكم الامر الواقع الموجود، ولن يكون هناك من حاجة لاستكمال متابعة ملفاته المشبوهة في القضاء، لان العمل سيكون جارياً على الدخول في مرحلة جديدة للاسرائيليين مع اصرار الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب الذي سيتسلم مهامه في 20 من الشهر الاول من السنة المقبلة، على الانطلاق بـ"اتفاقيات ابراهام" من المكان الذي توقفت فيه بمباركة اميركية-روسية.

وهكذا، لم يكتب لقصة نتنياهو ان تنتهي على يد المعارضة الاسرائيليّة ولا على يد الخارج، وهي بالتالي ستشهد تتابع الفصول الى حين تأمين مستقبله السياسي والشخصي بنسبة 100 في المئة، خارج حدود اي شك او قلق، ولو ان الامر اتى على حساب عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ودمار كثيف قلّ نظيره في التاريخ المعاصر، ووقاحة في التعاطي والتعامل مع العالم اجمع لم يجرؤ احد على القيام به.

المصدر :جنوبيات