يقول الكاتب مصطفى محمود:
"السّعادة الحقّة هي حالة عميقة من حالات السّكينة تقل فيها الحاجة إلى الكلام وتنعدم الرّغبة في الثّرثرة. هي حالة رؤية داخليّة مبهجة واحساس بالصّلح مع النّفس والدّنيا والله. واقتناع عميق بالعدالة الكامنة في الوجود كله، وقبول لجميع الآلام في رضا وابتسام".
في مقابلة تلفزيونيّة على تلفزيون الواقع سأل المذيع ضيفه (صاحب الملايين): ما أكثر شيء أسعدك في حياتك؟ أجاب صاحب الأموال: "مررت بأربع مراحل للسعادة حتّى عرفت السّعادة الحقيقيّة وتذوّقت حلاوة طعمها".
المرحلة الأولى: كانت باقتناء بعض الأشياء فشعرت ببعض الفرح، والسّعادة الآنيّة.
المرحلة الثانية: كانت بامتلاك الأشياء الأغلى ثمنًا، وكلّ ما هو نادر ونفيس، لكنّي وجدت تأثيرها وقتيًّا ويضمحلّ مع مرور الزّمن.
أمّا المرحلة الثالثة: فتمثّلت بامتلاك المشاريع الضخمة، كشراء أندية رياضيّة أو منتجعات سياحيّة، لكنّي لم أجد السعادة التي كنت أتخيّلها وأحلم بها.
وكانت المرحلة الرابعة: حين طلب منّي أحد الأصدقاء أن أذهب معه إلى مكان لبيع الأدوات والأجهزة الطبّيّة، وطلب منّي أن أُسهم معه بشراء بعض الكراسي المتحرّكة لمجموعة من الأطفال ذوي الإعاقة (الأضعف حركة). وبالفعل تبرّعت فورًا بالمبلغ اللازم لشراء تلك الكراسي. بيد أنّ "هذا الصديق" أصرّ عليّ أن أذهب معه، وأن أقدّم هديّتي بنفسي لهؤلاء الأطفال. وعند ملاقاتهم رأيت الفرحة الكبيرة تعلو وجوههم، وأصبحوا يتحرّكون في كلّ الاتّجاهات بواسطة "كراسي بسيطة" ويضحكون كأنّهم في "مدينة الملاهي"!
إلّا أنّ ما أدخل "السعادة الحقيقيّة" إلى نفسي هو تمسّك أحد الأطفال برجلي وأنا أهمّ بالمغادرة. حاولت أن أحرّرها من يده برفق لكنّه ظلّ متمسّكًا بها وعيناه تركّزان بشدّة في وجهي. انحنيت لأسأله: هل تريد شيئًا آخر قبل أن أذهب يا بنيّ؟ فكان الردّ المبهر الذي غيّر مجرى حياتي كلّها، وعرفت به معنى السعادة الحقيقيّة: "أريد أن أتذكّر ملامح وجهك حتّى أتعرّف إليك عندما ألقاك في السماء، فأشكرك مرّة أخرى أمام الله".
إنّ فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، لهو المفتاح الأمثل لباب السعادة الحقيقيّة المثلى، فهي تشمل الرّاحة النفسيّة، ورضا المولى عزّ وجلّ في آن معًا...