الخميس 14 تشرين الثاني 2024 08:42 ص |
قصة "سفينة نوح" - "كارين إيه" - التي قتلت ياسر عرفات! |
* زهير حمداني كانت سفينة الأسلحة "كارين إيه"، التي أوقفتها إسرائيل في البحر الأحمر في يناير/كانون الثاني 2002 وهي متجهة إلى غزة، لحظة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، وفي تاريخ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (1929-2004)، إذ زعم الإسرائيليون أن عرفات بجلبه هذا الكم من السلاح قد أسقط غصن الزيتون لفائدة البندقية في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية. رحل ياسر عرفات يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، بعد أن ظل لعقود في أعلى لوائح الاغتيال الإسرائيلية، فوفق بعض التقديرات وقعت نحو 14 محاولة لاغتياله في بيروت وحدها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. لقد بدت حادثة "كارين إيه" بحيثياتها ومعانيها وغاياتها فرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لضم عرفات مجددا إلى قوائم الاغتيال، إذ لم يعد الرجل مناسبا للمرحلة وفق تقديره.
تشير الوقائع إلى أن السفينة "كارين إيه" -بحمولة 50 طنا من الأسلحة - كانت الدافع الأساسي الذي جعل شارون يقرر تصفية عرفات، فالعملية الفلسطينية المعقدة لإيصال تلك الشحنة آنذاك إلى غزة، ونقل جزءٍ منها إلى الضفة الغربية، وفق التقديرات الإسرائيلية، كشفت عن مسعى عرفات لتغيير وجه الانتفاضة وتطوير قوّتها ورفع زخمها، وهو ما كان يعني لإسرائيل تغيير الوقائع على الأرض. أعاد شارون للرئيس الأميركي جورج بوش الابن (2001-2009) في أبريل/نيسان 2001 طرح فكرة اغتيال عرفات، رفض الأخير ذلك قائلا: "دع الأمر للرب"، فرد شارون: "حسنا، حتى الرب يحتاج من يساعده"، ولم يعقّب الرئيس الأميركي، وفق ما ورد في كتاب "أرييل شارون.. محادثات ودّية مع أوري دان" الصادر عام 2006 للصحفي الإسرائيلي أوري دان. أضمر شارون مخطط اغتيال عرفات ببطء، وهو محاصر في مقر السلطة برام الله من دون إثارة أي شبهات ودون ترك أي بصمات، وفق ما تحدث عنه أيضا الصحفي الإسرائيلي رونين بيرغمان في كتابه "انهض واقتل أولا.. التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية المستهدفة" الصادر عام 2018.
من جهته، يؤكد بسام أبو شريف مستشار الرئيس الراحل في كتابه "السمك المالح" (دار بيسان الطبعة الأولى 2021) أن شارون قرر تصفية عرفات عام 2000 متجاوزا التعليمات الأميركية، وأشار إلى أنه حاول تحذير عرفات من خطة شارو نلاغتياله "بطريقة خبيثة ومتخفية وخسيسة".
البندقية وغصن الزيتون وتبعا لذلك سعى "أبو عمار" إلى تكوين شبكة تضم قيادات في الأجهزة الأمنية للسلطة، تكون مهمتها شراء السلاح وإيصاله إلى الأراضي المحتلة. وبعد حادثة "كارين إيه" كشفت الحكومة الإسرائيلية عن أسماء عدد منهم، واتهمتهم بعقد صفقات سلاح والتواصل مع إيران وحزب الله، وجلب السلاح وتهريبه إلى غزة. كما حققت السلطة الفلسطينية في القضية وأصدرت أحكاما بالسجن بعد ضغوط أميركية ودولية. كان على رأس تلك الشبكة كل من اللواء فؤاد الشوبكي، وعادل المغربي المسؤول عن المشتريات في السلطة، وجمعة غالي قائد سلاح البحرية في السلطة، ومساعده فتحي الرازم "فتحي البحرية"، بالإضافة إلى المسؤول المباشر عن شراء الأسلحة الضابط في سلاح البحرية وقبطان السفينة "كارين إيه" عمر عكاوي، الذي يقضي عامه الـ23 في معتقلات الاحتلال. ولم تكن "كارين إيه" عملية مفردة، فعمليات جلب الأسلحة - التي كانت في معظمها خفيفة- كانت تتم عبر الطرق البرية بسيارات الشحن من الأردن ومصر والحدود السورية اللبنانية إلى هضبة الجولان ثم الأراضي الفلسطينية، واتخذت لاحقا طرقا عبر البحر، وقد أعلنت إسرائيل اكتشاف عدة محاولات تهريب.
كانت بدايات الكشف عن عمليات تهريب السلاح عبر الحادثة التي عُرفت آنذاك باسم "حادثة البراميل" منتصف عام 2001 قرب سواحل غزة، والتي كان من مفاعيلها اغتيال كل من الرائد مسعود عياد، وجهاد أحمد جبريل في لبنان.
رصد "المغنية"
وبعد شرائها، تحول اسمها إلى "كارين إيه"، ومسجلة في "نوكو ألوفا"، عاصمة مملكة تونغا، الدولة الواقعة في المحيط الهادي. كان عادل مغربي (عضو حركة فتح) يتولى التنسيق مع "حزب الله" وإيران للحصول على الأسلحة لفائدة السلطة الفلسطينية، وشملت مهامه شراء السفينة وتشكيل طاقم الإبحار والتخطيط بشأن كيفية تخزين الأسلحة وإخفائها وتحميل الأسلحة إلى السفن ونقلها إلى حين تسليمها في شواطئ غزة. يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 2001، وصلت السفينة إلى مرفأ "كيش" في إيران، ومن هناك حُمّلت بشحنة الأسلحة المعبأة في حاويات خاصة قابلة للتعويم، ومن ثم أبحرت باتجاه البحر الأحمر، حيث كان من المفترض أن تعبر قناة السويس وتفرغ حمولتها (الحاويات العائمة) قبالة سواحل قطاع غزة ليتم التقاطها من البحرية الفلسطينية.
لكن الوحدة البحرية "شايطيت 13" الإسرائيلية نفذت إنزالا على ظهر السفينة في الثالث من يناير/كانون الثاني 2002 في موقعها على بعد 500 كيلومتر من خليج العقبة، واقتادتها إلى ميناء إيلات (أم الرشراش).
أوقفت البحرية الإسرائيلية أيضا 12 فردا من طاقم السفينة، من بينهم قبطانها اللواء عمر عكاوي، بالإضافة إلى 3 آخرين من عناصر الشرطة البحرية الفلسطينية، و8 بحارة مصريين تم إطلاق سراحهم لاحقا لعدم ضلوعهم في العملية.
استهداف عرفات
تعهد عرفات بإجراء تحقيقات في قضية السفينة بعد ضغوط أميركية ودولية، وتم تحميل العميد فؤاد الشوبكي المسؤولية العلنية، لكنه رفض تسليمه إلى أجهزة الأمن الإسرائيلية، وأبقاه في مقر المقاطعة برام الله في أثناء عملية "السور الواقي"، قبل أن يتم نقله إلى سجن أريحا تحت حراسة أميركية وبريطانيّة، لكن إسرائيل عمدت إلى اختطافه عام 2006 واعتقاله حيث قضى 17 سنة متنقلا بين سجونها. أراد أرييل شارون تغيير وجه القضية الفلسطينية ووأد الانتفاضة بتصفية رموزها، وقادتها، وجاءت وفاة الرئيس ياسر عرفات يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 لاحقة لاغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين يوم 22 مارس/آذار 2004، ثم عبد العزيز الرنتيسي أحد مؤسّسي الحركة يوم 17 أبريل/نيسان 2004. تشير معطيات كثيرة إلى أن حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات بالمقاطعة في رام الله كان تمهيدا لتصفيته سياسيا ثم جسديا، لم تعترف إسرائيل باغتياله - ولم تفعل مع كل عمليات الاغتيال- لكن صراعه المفاجئ مع مرض غامض ناجم عن سم أو مادة إشعاعية كان يحمل بصمات شارون، الذي وجد في "كارين إيه"، بما تحمله من دلالات ورسائل، الفرصة لتصفية الرجل الذي طالما طارده سابقا من بيروت إلى قبرص وتونس دون جدوى.
المصدر :الجزيرة + الصحافة الإسرائيلية + الصحافة الفلسطينية |