خصّت قمة الرياض لبنان بلفتة متقدمة، سواء في البيان الختامي أو في كلمات رؤساء الوفود، أو في المداولات الجانبية. وانسحب إيجابا التواصل السعودي- الإيراني الذي حصل قبل القمة وخلالها. من شأنه أن يترك تأثيرا بائنا في لبنان، سواء في الداخل أو على مستوى الجهد المبذول من أجل وقف الحرب الإسرائيلية وتشذيب المواقف وتدوير الزوايا. لكن يبقى هذا الأمر قيد الاختبار، وهو ما ستظهره حتما بعض جوانب زيارة علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي.
تزامنت القمة مع تفعيل المجهود الأميركي- الدولي من أجل وقف إطلاق النار. بات جليا أن هناك تقاطعا بين الرئيس الخارج جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب على خفض التوترات في البقع اللاهبة، وخصوصا في الشرق الأوسط وأوكرانيا، بالتوازي مع رغبة ترامب في إنهاء حربيّ إسرائيل على لبنان وغزة في مهلة غير بعيدة، للتفرَغ شرقا بدءا من إيران ذهابا صوب روسيا والصين.
تُرصد هذه الأولويات الـ3 في التعيينات التي باشرها ترامب. وهي تشكّل مؤشرا واضحا إلى خريطة الطريق التي تحدد تعامله مع محور الأزمات هذا:
1-إيران، حيث الاحتواء بالقسوة. ولم يُعرف بعدما ما إذا كان ترامب سيوكل الملف الإيراني إلى موفده الخاص إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، أو سيُسمي موفدا خاصا. وتطرح في هذا السياق أسماء كل من براين هوك وروبرت أوبراين وريك غرينيل.
2-روسيا حيث الاحتواء بالحُسنى، بالنظر إلى مواقف ترامب من موسكو وفهمه للعلاقات الثنائية. ومن المرجح أن يختار شخصيات تميل إلى تحسين تلك العلاقات. وقد تكون هذه التعيينات من المحسوبين على تيار «أميركا أولاً» الذين يرون أن التعاون مع روسيا يخدم المصالح الأميركية، خصوصا في مواجهة الصين.
3-الصين، وخصّص لها ترامب فريق الاحلام dream teamالمؤلف من:
أ-ماركو روبيو، «عدو الصين» والمعاقَب صينياً، وزيرا للخارجية. وهو سيكون أول وزير اميركي ممنوع أن يدخل الصين بفعل تلك العقوبات.
ب- مايكل والتز، أحد أشد منتقديها، ويوصف كذلك بعدوّها، مستشارا للأمن القومي. سبق أن دعا إلى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في بكين بسبب ممارساتها ضد الإيغور. كما دعا إلى ضرورة تحويل الولايات المتحدة انتباهها من أوروبا والشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي، لمواجهة «التهديد الأكبر من الحزب الشيوعي الصيني».
4-تبقى إسرائيل التي سيكون ملفها من حصة ستيفن ويتكوف المعروف بميله لها، لكن أيضا بقدرته على التأثير إسرائيليا وعربيا. هو ضليع بشؤون المنطقة وشجونها عبر استثماراته العقارية وعلاقاته الخليجية.
الاختبار الإسرائيلي الأول الرسمي مع الرئيس العائد، نجحت فيه تل أبيب مع الاقتراح الأميركي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب لله.
ليس مُستغربا، والحال هذه، أن يرفض لبنان مسوّدة الاتفاق. فحرية الحركة للجيش الإسرائيلي هي نواة أي قبول من جانب تل أبيب بوقفٍ لإطلاق النار، هدنة كان أو وقفا للحرب، وهي نفسها موضع الرفض اللبناني. بهذا المعنى، تصبح الأفكار الأميركية المعروضة ذريعة لإسرائيل، ليس فقط من أجل استمرار العملية العسكرية، بل بغية توسيع نطاقها لتطال مناطق جديدة خارج جنوب الليطاني، من جهة لاستكمال استهداف سلاح حزب لله وبناه التحتية، ومن جهة أخرى لمواصلة الضغط على البيئة الحاضنة للحزب وعلى البيئة المستضيفة للنازحين.
هذه القراءة، في حال صحّت، تفترض اشتداد الحرب الإسرائيلية في الأسابيع المقبلة، وربّما على امتداد كامل الأسابيع الـ9 الفاصلة عن موعد تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مهامه.
ثمة انطباع بأن مسودة الاتفاق وُضعت لكي تُرفض، وهذا تماما ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وسمع زوار واشنطن في اليومين الأخيرين أن الحرب الإسرائيلية على لبنان لن تنتهي إلا بتفكيك البنية العسكرية لحزب لله، أو أن يبادر من تلقاء نفسه إلى إلقاء السلاح وإنهاء مرحلة طويلة من العمل العسكري منذ تأسيسه منتصف الثمانينات، تمهيدا للتحوّل الى حزب سياسي.
وسمعوا كذلك أن اسرائيل لن ستنتقل حكما الى المرحلة الثانية من حربها في حال رفض لبنان الاقتراح الاميركي، وهي ستشمل شمال الليطاني، متّبعة استراتيجية الارض المحروقة نفسها التي اتبعتها جنوب الليطاني، وقبلها في غزة.
ويُنظر أميركيا إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أنهما مُكبّلان إيرانيا، وأنهما لن يُقْدما على أي أمر تعارضه طهران، حتى لو كان الثمن تدمير لبنان.