أما وقد حلَّ صباح العاشر من آذار 2017، فإنّ نهاراً جديداً انطلق من عمر العماد جان قهوجي، المدني..
نعم إنّه اليوم الأوّل لقائد الجيش العماد قهوجي في دنيا المدنية، إثر 44 عاماً في الزي العسكري.. يوم التحق ذاك الشاب اليافع بتاريخ 1 تشرين الأول 1973 بالكلية الحربية متطوّعاً في خدمة الوطن.. كيف لا وهو إبن عين إبل - قضاء بنت جبيل، ربيبة الجنوب البطل الأبي، المُطلّة على الأراضي الفلسطينية المحتلة..
44 عاماً سطّرها التاريخ له، تنقّل خلالها عبر مناصب عدّة، حتى حمل أعلى وأرقى وسام، يتمثّل بقيادة الجيش اللبناني، المدافع عن الوطن في وجه الطغاة والعدو الصهيوني وشبكاته التجسّسية، ناهيك عن التنظيمات الإرهابية والتكفيرية..
القارئ في التاريخ الأبيض للعماد ذي الشعر الأبيض، هيبة ووقاراً، يفهم معنى الشرف والتضحية والوفاء، ويؤمن بأنّ أوسمة الحرب والجرحى والبطولات، لا يستحقها إلا كل مَنْ أفنى سنوات شبابه، وابتعد عن عائلته وأهله وأحبابه في سبيل حبيب أكبر، هو الذود عن حياض الوطن، لبنان..
مواقف كثيرة ومعارك عديدة خاضها العماد قهوجي ضد العدو الخارجي، كما ضد الأعداء الداخليين، فكان وحتى آخر ليلة من عمر قيادته لجيش الوطن، سدّاً منيعاً، وجلمود صخر تتكسّر عند قدميه أعتى الصعاب وأشد المواجهات..
العماد القائد
تاريخ 29 آب 2008، كان محطة مفصلية في حياة العماد قهوجي، حيث عيّنه مجلس الوزراء في الجلسة التي ترأسها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، يوم كان ضابطاً في الجنوب، ليكون القائد الـ13 للجيش، لتنطلق بعدها رحلة أصعب في عالم الحرب ضد الأعداء المعلومين منهم والمجهولين..
عاصرت فترة قيادة الجنرال قهوجي للجيش مصاعب جمّة، يصعب تحديد تاريخ بدئها، لكنّها توزّعت بين حرب ضد الإرهاب والتنظيمات التكفيرية في مختلف المناطق، مروراً بالتفجيرات الإرهابية التي استعرت في البلد على مدى عدّة سنوات، ولعلّه لم يكن آخرها شغور سدّة رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان (25 أيار 2014) وعدم انتخاب مجلس النوّاب رئيساً جديداً، جرّاء الانقسام الحاد بين القوى المؤثِّرة في هذا الاستحقاق، في ظل ارتفاع حدّة الخطاب السياسي الذي تجاوز التراشق الكلامي بين السياسيين، وطال "قنصه" المؤسّسة العسكرية..
وهو ما استغلّه العدو الإسرائيلي، فتوسّع في خروقاته، ونوّع في اعتداءاته، سواء عبر الشبكات التجسّسية التي جرى كشف أكبر عدد منها، أو عبر الخروقات البرية أو البحرية أو الجوية، وكل ذلك في ظل استهداف الجيش بعمليات إرهابية انتحارية، واعتداءات أدّت إلى سقوط شهداء وجرحى في صفوفه، ولم يفرّط بدماء الشهداء والجرحى..
وبقيت المؤسّسة العسكرية، ورغم ضعف الإمكانيات، والرزوح تحت وطأة ظروف قاسية جداً، أنذرت يومها بعواقب صعبة في ظل تفاقم الانقسام بين السياسيين، ودعوات البعض للانشقاق عن الجيش، وحدة متراصّة الصفوف، ولعل ما حال دون انفراط هذا العقد المتين، هو العقيدة الراسخة التي أرسى دعائمها العماد قهوجي، حيث انصهرت كل مكوّنات المجتمع اللبناني في بوتقة وطنية، وأفشلت المخطّطات المشبوهة.
وكان العماد قهوجي يضع نصب عينيه ظروفاً صعبة مرَّ بها لبنان، و"تشظّت" بسببها المؤسّسة العسكرية بعد أحداث العام 1975.
الوطن أولاً
ويوم أكرمني العماد قهوجي بوضع مقدّمة لكتابي "زلزال الموساد.. العملاء في قبضة العدالة" في مثل هذه الأيام – آذار من العام 2014، أكد أنّه آل على نفسه 3 أمور ليتم تنفيذها، وهي:
- أولاً: الدفاع عن الوطن بالدرجة الأولى ضد "إسرائيل"، عدو لبنان، والحفاظ على بقية الحدود، وهذا ما قمنا به.
- ثانياً: موضوع الإرهاب، وقد أخذتُ عهداً على نفسي بألا يفلت قاتل عسكري من المحاسبة، وقد ضبطنا الكثير من الخلايا الإرهابية وتمّت ملاحقة خلايا أخرى.
- ثالثاً: مساعدة قوى الأمن في الداخل، لحل المشكلات الأمنية.
سيحفظ لبنان للعماد قهوجي أنّه رفض المساومة على أمن واستقرار لبنان وتركه ساحة أمام العبث الأمني، أو اقتتال مع المخيّمات الفلسطينية، ما يعطيه دفعاً ليصل على دبابة ودماء إلى سدّة رئاسة الجمهورية، لكنّه كان صلباً في بقاء المؤسّسة العسكرية موحّدة في مواجهة الفتن التي عصفت بوطن الأرز..
من حق عائلة العماد قهوجي، وبعدما أمضى 44 عاماً في المؤسّسة العسكرية، أنْ يكون إلى جانب رفيقة دربه مارلين والأولاد: جاد، جو وجوانا والأحفاد..
القائد الذي مُدّد له في قيادة الجيش تجنّباً للفراغ، حتى خرج وهو على مشارف الـ64، سيبقى الأوفياء يحفظون لـ"أبو جاد" أنّ لبنان تجاوز بفضل حكمة قائد جيشه ومناقبيته، العديد من الفتن والمطبّات التي عصفت به، ونجح في تفكيك الألغام في مهام جسام، وذلك قبل انفجارها، ولعل توقيف شبكات التجسّس الإسرائيلية والخلايا الإرهابية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، جنّب لبنان تداعيات ارتدادات أحداث تُجرى في المنطقة المستفيد الأول منها هو العدو الإسرائيلي..