* د. أيمن عمر
«قبل أن يحكم اليهود نهائياً لا بد من قيام حرب بين الأمم يهلك خلالها ثلثا العالم. ويبقى اليهود سبع سنوات يحرقون الأسلحة الّتي اكتسبوها بعد النصر، وحينئذ تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل بمقدار اثنين وعشرين ذراعاً خارج أفواههم» (التلمود).
تحوّلات كبيرة يعيشها العالم اليوم ومنعطفات استراتيجية ترسمها الأحداث السياسية والعسكرية لتشكّل خرائط جديدة في الجغرافية السياسية على مستوى العالم. ويمكن اعتبار ما يجري في الشرق الأوسط من حروب وتحديداً في غزّة ولبنان أهم مسارح هذه الانعطافات والتحوّلات الكبرى. وإذ تتداخل عوامل عدّة في هذه الحرب الشرسة المدمرة غير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، وتتشابك السياسة مع الأمن والاقتصاد مع الديموغرافيا، تبقى الأيديولوجبا والدين هما المحدّدان الأساسيان لملامح وأهداف الحرب القائمة. فمن يحرّك آلة القتل اليهودية المدعومة عسكرياً ومالياً من الولايات المتحدة دون رحمة وهوادة هي تشابك تقاطع العقيدة الصهيو-أنجيلية القائمة على 3 مرتكزات رئيسية:
الأول: الإسلام هو العدو: القتل قُربى إلى الله
بعد سقوط المعسكر الاشتراكي ونهاية خطر الشيوعية، أحتاج الغرب إلى عدو جديد كي يوّحد قواه ويشحذ همته فوجده في الأصولية الإسلامية في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي. في عام 1991 كتبت صحيفة الـ«واشنطن بوست» أنباء عن دراسة أعدّتها وزارة الدفاع الأميركية والمخابرات عن الحاجة إلى العثور على عدو جديد، وكان الإسلام هو المرشح، ومن ثم فالعديد من الندوات والكتابات تدور حول الإسلام وكيفية التحريض عليه وإلصاق التهم به. ويعتبر ماكسيم رودنسون (Maxime Rodinson) المفكر الفرنسي البارز أن «المسيحية الغربية قد رأت في العالم الإسلامي خطراً يهدّدها قبل أن يبدأ النظر إليه كمشكلة حقيقية بزمن طويل». وقد قال القس «بات روبرتسون» (Pat Robertson) صاحب البرنامج الشهير «نادي السبعمائة»: «نعرف نحن المسيحيين من صميم قلوبنا، أن لله يقف بجانب إسرائيل، وليس بجانب العرب الإرهابيين». واقترحت كاتبة الرأي المحافظة آن كولتر (Ann Kolter) وهي إحدى المعلقات الأكثر شعبية في صفوف اليمين الأميركي وكتبها تحقق أرقام مبيعات قياسية، «يتعيّن علينا أن نغزو بلادهم (المسلمين) ونقتل زعمائهم ونحوّلهم إلى المسيحية».
وما نشهده اليوم من قصف مَهُول لغزّة ولبنان والمجازر في المستشفيات والمدارس للأطفال والشيوخ والنساء فهي في عقيدة اليهود عبادة يتقرّبون بها إلى ربهم وينالون بها الفردوس الأعلى: «أقتلْ أفضل مَن قدرت عليه من غير اليهود، أقتل الصالح من غير اليهود». ويستحلّ اليهود دماء جميع الشعوب وأموالهم وأعراضهم: «سأل إسرائيلُ ربَّه قائلاً: لماذا خلقتَ خَلْقاً سوى شعبك المختار؟ فأجابه لتركبوا ظهورهم، وتمتصّوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوّثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم». من هذا المنطلق فإن ما يجري من مجازر بشعة وقصف وقتل وتدمير لم يشهد لها تاريخ البشرية جمعاء هي عقيدة دينية راسخة عند اليهود يقدّمون بها إلى لله قُربى.
الثاني: معركة هرمجدّون والسيطرة على العالم
تتقاطع الأصولية اليهودية والأنجيلية في عقيدتها على أن معركة دامية وفاصلة ستحصل في بداية الألفية الثالثة الميلادية ما بين الأخيار (اليهود) والأغيار والأشرار (غير اليهود) في سهل في شمال فلسطين يدعى مجدو، وعندما سيغلب على أمر اليهود سيهبط من السماء المسيح المنتظر. وهرمجدّون، هذه الكلمة العبرية المكوّنة من مقطعين «هر» بمعنى جبل «ومجدو» وهو وادي بأرض فلسطين، فهي تعني جبل مجدو بفلسطين. يقع سهل مجدو (هرمجدون) بين الخليل في شمال فلسطين المحتلة والضفة الغربية، هذه المنطقة تبعد 55 ميلاً عن تل أبيب و15 ميلاً عن شاطئ البحر المتوسط. فقد ورد في الإصحاح السادس عشر من سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي: «وسكب الملاك السادس كأسه على نهر الفرات الكبير فجفّ ماؤه ليصير ممراً للملوك القادمين من الشرق، وعند هذا رأيت ثلاثة أرواح نجسة تشبه الضفادع تخرج من فم التنين، ومن فم الوحش، ومن فم النبي الدجال، وهي أرواح شيطانية قادرة على صنع المعجزات تذهب إلى ملوك الأرض جميعاً وتجمعهم للحرب في ذلك اليوم العظيم يوم لله القادر على كل شيء. ها أنا آت كما يأتي اللص، طوبى لمن يكون بانتظاري، ساهراً وحارساً لثيابه، لئلا يمشي عرياناً فيرى الناس عورته، وجمعت الأرواح الشيطانية جيوش العالم كلها في مكان يسمّى بالعبرية هرمجدون». وجاء في سفر زكريا الإصحاح الثاني عشر: «ويكون في ذلك اليوم أني أطلب إبادة جميع الأمم الزاحفة على أورشليم روح النعمة والتضرعات فينتظرون إلى أمام الذي طعنوه فإنهم ينوحون عليه كما يُناح على الوحيد، ويبكون عليه بكاء مرّاً كما يُبكى على البكر، وفي ذلك اليوم يشتدّ النوح في أورشليم كنوح هددرمّون في سهل مجدّون». ومن أدلة التوراة على حدوث هرمجدون، ما ورد في سفر سفنيا الإصحاح الثالث: «ترنّمي يا ابنة صهيون، واهتفوا يا بني إسرائيل، افرحي يا أورشليم، وابتهجي بكل قلبك، الرب ألغى عقابك، وأفنى جميع أعدائك، الرب ملك إسرائيل هو، فلا ترين شراً من بعد، في ذلك اليوم يقال لأورشليم، لا تخافي يا صهيون، ولا تسترخ يداك، الرب إلهك معك، وهو المخلص الجبار، يسرّ بك ويفرح، وبمحبته يحرسك، يرنم لك ابتهاجاً، كما في يوم عيد، ينـزع عنك الشقاء، فلا يكون عليك عار، ها أنا في ذلك الزمان، أبيد جميع الظالمين، أخلص المبعدين عن أرضهم، وأجمع كل المشردين، وأجعل للبائسين في الأرض، اسماً وتسبيحة حمد، وحين يحين الأوان، أجمعكم وآتي بكم، أجعلكم في شعوب الأرض، اسماً وتسبيحة حمد، أرد سبيكم وسترون، هكذا يقول الرب». وورد في سفر القضاة في الإصحاح الخامس: «أتى الملوك وقاتلوا، قاتلوا ملوك كنعان في تعناك عند مياه مجدّو». وجاء في التلمود: «قبل أن يحكم اليهود نهائياً لا بد من قيام حرب بين الأمم يهلك خلالها ثلثا العالم. ويبقى اليهود سبع سنوات يحرقون الأسلحة الّتي اكتسبوها بعد النصر، وحينئذ تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل بمقدار اثنين وعشرين ذراعاً خارج أفواههم».
الثالث: إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل
خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر/أيلول الماضي، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خريطتين تظهران الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن أراضي الكيان الإسرائيلي، الخريطة الأولى كُتب عليها «النعمة» والثانية «اللعنة». ويعتبر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن «حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق، وإن على إسرائيل الاستيلاء أيضا على الأردن». هذه هي عقيدة اليهود منذ بداية الحركة الصهيونية مع مؤسسها ثيودور هرتزل حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904، فقد زعم أن «حدود دولة إسرائيل تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات». وتتعدد النصوص التوراتية التي يعتمدون عليها في أهدافهم التوسعية، فقد ورد في سفر التكوين (15/18):»فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ»، وفي سفر يشوع (1/3/4):»مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ هذَا إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ، جَمِيعِ أَرْضِ الْحِثِّيِّينَ، وَإِلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ نَحْوَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ يَكُونُ تُخْمُكُمْ»، وفي الاصحاح (34 من سفر العدد): «وكلَّم الربُّ موسى قائلاً: أَوصِ بني إسرائيل وقل لهم: إنكم داخلون إلى أرض كنعان. هذه هي الأرض التي تقع لكم نصيباً، أرض كنعان بتخومها، تكون لكم ناحية الجنوب من برية صين على جانب أدوم. ويكون لكم تُخم الجنوب من طرف بحر الملح إلى الشرق، ويدور لكم التخم من جنوب عقبة عَقْربيم ويعبر إلى صين وتكون مخارجه من جنوب قادش برنيع، ويخرج إلى حصر أدَّار ويعبر إلى عصمون. ثم يدور التخم من عصمون إلى وادي مصر، وتكون مخارجه عند البحر».
إن الشرق الأوسط الجديد الذي ينادي به المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون ما هو إلا حدود جديدة لدولتهم المزعومة «إسرائيل» بجغرافيّتها التوراتية، وهم يسعون جاهدين مدفوعين بعقيدة توراتية لتحقيق هذه الأطماع عبر توسيع دائرة الحرب والمجازر الهمجية من حلال حفلة جنون قد تصل بهم إلى هذه المعركة التوراتية المزعومة «هرمجدون»، والقضاء تاليا على الإسلام والمسلمين والسيطرة على العالم.