يوم الإستقلال كان عيد الفرح بالوطن، والفخر بالجيش، والعزة بالدولة والحياة الحلوة والإستقرار والإزدهار.
كنا ننتظر صبيحة يوم 22 تشرين الثاني كل عام، لنستمتع بإستعراض العسكر الهادر بأقدامه، والصادح بشعاراته، والمعتز بسلاحه، والمؤمن بتضحياته.
كانت النشوة تملأ قلوبنا بالتصفيق لوحدات المغاوير، وفرق المشاة، وللآليات التي تحمل الجنود، على تواضعها، وللمدافع التي كانت تجرها شاحنات صبغت دواليبها القديمة باللون الأبيض.
كانت أنظارنا تطير فرحاً ونحن نلاحق أربعة طائرات حربية تزين سماء الإستعراض بألوان دخانية ترمز للعلم اللبناني، الذي سرعان ما يظهر مرفرفاً خلف طائرات هليوكوبتر، تجوب سماء بيروت في ذلك اليوم الأغر.
كانت المنصة الرسمية تنوء بثقل رجالات الدولة الذين يحملون وهرة المناصب العليا بنظراتهم الثاقبة، ويحرصون على هيبة الدولة في حضورهم المنظم وفق بروتوكول يُحسب بالدقائق، في تحديد وصول الرؤساء والوزراء وكبار القوم.
كان الرؤساء الثلاثة يملؤون كراسيهم بود لا يخلو من الفخر والإعتزاز. لم نفتقد يوماً غياب رئيس جمهورية، لأننا لم نكن نعرف أن ثمة «شغور رئاسي»، في الحياة السياسية. ولم نلاحظ ولا مرة وجود رئيسي حكومة، المستقيل والمكلف، جنباً إلى جنب في المنصة الرسمية، لأننا لم نكن ندرك أن التأخير في تشكيل الحكومات يُحدث خللاً في المؤسسات الدستورية، تجنب رجالات العهود الإستقلالية الأولى حصوله، والوقوع في مطباته المخجلة.
كان العلم اللبناني يرفرف على شرفات المنازل، وفي باحات المدارس، ويرتفع بألوانه الزاهية على المباني الحكومية، وكنا نغني النشيد الوطني، فرحاً وزهواً في عرس الوطن، في يوم الإستقلال المجيد.
كانت تلك المرحلة الزاهية أشبه بإحلام ليلة صيف. وفجأة أصبح وطن الفرح والفخر أسير عواصف هوجاء، زرعت السماء بغيوم سوداء، ونشرت بخرابها كوابيس خرقاء، وسقط البلد ضحية في دوامة لاعبين ومتصارعين خبثاء.
إنهار وطن الإشعاع والفكر والثقافة والنور، ودخل أهله في ظلمة الحروب والأزمات والإنهيارات. وتحوّلت أيام الفرح إلى زمن مديد من الحزن والألم والضياع، وغابت هيبة الدولة. وتلاشت سطوة السلطة. وغرقت مراكز القرار في لجج الشغور والفراغ.
وبإختصار، تحول يوم الفرح بعرس الوطن، إلى يوم حزن على الوطن!