الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024 08:31 ص

القصيفي: عدم دفع الثمن مضاعفاً!!!


* جنوبيات

ليس الإعلان عن وقف إطلاق النار والاعمال الحربية إلّا خطوة في رحلة الألف ميل، لأنّ ثمة تداعيات للحرب الإسرائيلية على لبنان ستنسحب على داخله، كما على داخل الكيان الغاصب، يصعب تحديد مآلاتها.

بعد الإعلان المتوقع لوقف إطلاق النار سينقسم اللبنانيون أيضاً حول موضوع تقييم نتائج الحرب الضروس، وتصنيف المنتصر والخاسر في هذه المعركة غير المتكافئة، التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي كل ما يمتلك من أدوات القتل والتدمير.

وقد قدّر البنك الدولي خسائر لبنان بما يزيد على الـ8 مليارات دولار، من ضمنها ما ينوف على الـ4 مليارات دولار ككلفة إعمار ما تهدّم كلياً او جزئياً، فيما المبالغ الباقية تتوزع على القطاعات الاقتصادية، الصناعية والزراعية التي مُنيت بأضرار فادحة، وذلك من دون احتساب الأضرار التي خلّفتها غارات الطائرات الحربية في الايام الثلاثة الاخيرة.

ومن هنا، فإنّ على حكومة تصريف الاعمال أن تتحرك سريعاً لتوفير هذه المبالغ في أسرع وقت ممكن للحاجة القصوى اليها، خصوصاً انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري و"حزب الله" وسائر القيادات الروحية والسياسية في الطائفة الشيعية، يؤكّدون أنّ النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، سيعودون فور إعلان وقف النار والأعمال الحربية، أو بعيده كحدّ أقصى، إلى بيوتهم أينما وجدت ولو كانت مهدومة او مصابة كدلالة إلى تعلّقهم بأرضهم ورفض مغادرتها، كي لا يصبحوا عبئاً على المجتمعات المضيفة، وبالتالي لئلا يتحول وجودهم قنبلة موقوتة يستغلها الإسرائيلي إلى أبعد الحدود بوسائله السياسية والاعلامية الخبيثة، لإيقاد نار الفتنة والذهاب بها بعيداً إلى حدود تهديد السلم الأهلي. والرئيس بري والحزب طمئنا النازحين قسراً داخل وطنهم إلى أنّ المناطق المستهدفة ستُعمّر، و"ستعود أجمل مما كانت عليه" كما أعلن السيد حسن نصرالله قبل ارتقائه. أما بالنسبة إلى السجال الذي يُخشى تفاقمه منذ اللحظة الأولى لوقف إطلاق النار، فإنّ الأمر لن يختلف عمّا كان عليه قبل البدء بـ"حرب الإسناد" وخلالها وبعدها لجهة بروز منطقين متعارضين وتفسيرين متناقضين أو اكثر، وهذا ما يثير قلق المراقبين للوضع اللبناني. ولا يخفي سفراء دول أجنبية وعربية مخاوفهم من تفاقم التوتر إذا لم يسارع المسؤولون إلى اتصالات مكثفة بغرض التحضير لمبادرة سياسية تعيد إنتاج حوار داخلي لإنجاز ملفات عاجلة لا يمكنها أن تنتظر مزيداً من الوقت قبل البتّ فيها، وفي مقدّمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا يشكّل تحدّياً لأي فريق، ويحوز على المقدار الأكبر من الإجماع اللبناني، وتأليف حكومة جديدة يكون برنامج عملها الرئيسي توفير المساعدات، وتسلّم ما سيرد منها شرط أن لا تكون مشروطة، ومباشرة الإعمار باعتماد أعلى درجات الشفافية والنزاهة.

إلى ذلك، فإنّ على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة رعاية حوار جاد وعميق حول المواضيع غير المتفق عليها، بما يساهم في الحؤول دون تعميق الخلافات في الشارع، ويساعد في نقلها إلى طاولة النقاش الذي يُفترض أن يكون مباشراً، صريحاً، واضحاً، وتُطرح فيه كل الهواجس وعلامات الاستفهام من جميع الفرقاء، وذلك للوصول إلى خلاصات تعكس ما تقاطعوا على اعتباره جامعاً مشتركاً. ومن دون ذلك، فإنّ التباينات مرشحة للاتساع، وستكون لها تداعيات في منتهى الخطورة.

ويقول ديبلوماسي عربي، إنّ سرعة عودة النازحين إلى الأماكن التي هجّرتهم منها إسرائيل قسراً هي أمر ضروري، لا لأنّها تنزع فتائل تفجير محتملة، بل لأنّها توجّه رسالة مزدوجة إلى تل أبيب والداخل اللبناني في آن، بأنّ اللبنانيين الشيعة لا يجدون بديلاً عن مدنهم وبلداتهم وقراهم وأحيائهم، وأنّهم لن يخلوها بأي ثمن، وسيعيدون بناءها مهما كانت التكلفة غالية، ولن يحققوا الحلم الصهيوني بأن يكون الجنوب خالياً من اي وجود بشري لضمان أمن الكيان العبري ومستوطناته، بل مستعمراته الشمالية، وبأنّ ما من منطقة من لبنان، خصوصاً المناطق التي احتضنتهم بأخوّة وترحاب، يمكن أن تكون بديلاً من مساقط رؤوسهم وأماكن إقامتهم الأصلية. على أنّ المقتدرين من هؤلاء سيباشرون بإعمار بيوتهم ومحالهم ومصانعهم المهدّمة او المتضررة، من دون انتظار المساعدات الخارجية.

وفي موازاة ذلك يتوقع أن يدور حوار بين القيادات الشيعية في ما بينها حول آفاق المرحلة المقبلة، تتخلّله نقاشات مسؤولة وهادفة إلى إستخلاص العبر، والاتفاق على مواجهة المرحلة المقبلة على كل الصعد. وفي المعلومات، أنّ الالتزام بالطائف سيكون الألف باء الذي سينطلق منه الثنائي في مقاربة الوضع الراهن. وعُلم في هذا السياق أن لا حركة "أمل" ولا "حزب الله" يؤازرهما المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، سيسمحون بالاستفراد والتفرّد، اي أن يجري الاستفراد بطرف اعتقاداً بأنّه لن يلقى مساندة الطرف آلاخر، ولا تفّرد أي من أحد ضلعي الثنائي بموقف من دون التنسيق مع شريكه او بالالتفاف عليه. وهذه المعادلة باتت واضحة لدى المراهنين على تصدّع التحالفات داخل البيئة الشيعية.

لكن التحدّي يبقى: ماذا عن العلاقة مع الشركاء آلاخرين في الوطن؟ سؤال في محله، ولا تبدو الإجابة عنه سهلة، لكن الصورة على وجه الإجمال لا تبدو قاتمة بالنسبة إلى كل من الطائفتين السنّية والدرزية، بعد المواقف الواضحة للرئيس نجيب ميقاتي ودار الإفتاء وسائر قيادات الطائفة، والرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، ورئيس "الحزب الديموقراطي اللبناني" الأمير طلال أرسلان. وتبقى الإشكالية في الوسط المسيحي في ضوء مواقف "القوات اللبنانية" وحلفائها المعروف والصريح من الحرب والحزب، وطريقة معالجة رئيس المجلس النيابي للاستحقاق الرئاسي، ووجود قوى أخرى كـ"التيار الوطني الحر" المتضامن مع الحزب في مواجهة الحرب الإسرائيلية التي تستهدفه، المعارض بصراحة لـ" حرب الإسناد"، وتيار "المردة" المعروف بتحالفه الوثيق مع المقاومة.

وفي أي حال، فإنّ إسرائيل لا تستطيع الادعاء بأنّها حققت انتصاراً في هذه الحرب، وإن نجحت في اغتيال عدد كبير من المصاف القيادي في "حزب الله" وفي مقدّمهم الأمين العام السيد حسن نصرالله. لأنّ الاصابات الفادحة التي طاولت أفراد جيشها، والدمار الكبير الذي عمّ مستعمراتها الشمالية، وخسائرها المادية وتدني معدل نموها لهذا العام إلى درجة الصفر في المئة، والتشكيك بعدم قدرة النازحين في القرى الإسرائيلية المتاخمة او القريبة إلى الحدود مع لبنان، على العودة إليها، لا تقل ايلاماً عن الخسائر والإصابات التي اوقعتها بالمقاومة وبيئتها. وصحيح أنّ الكيان العبري كان مفرطاً في إيذائه الحزب، والمجتمع الشيعي، ويضمر من وراء هذا الإيذاء إشعال نار الفتنة في الداخل، لكن في داخل الكيان ستنشب سجالات وتقوم تظاهرات، ومطالبات بإنشاء لجنة تحقيق في الحرب لتحديد المسؤوليات، لأنّها المرّة الأولى التي تشهد فيها إسرائيل منذ نشأتها دولة غاصبة مزروعة عنوة في المشرق عام 1948، حرباً بهذه الضراوة وخسائر بهذا الحجم، وإن لم تسفر إلّا عن بعضها. حتى في حرب الغفران لم تُسجّل خسائر بمثل هذا الكمّ والنوعية. والأهم أن تتخذ الأوضاع بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، وجهة غير صدامية، لأنّ الجميع سيدفع الثمن مضاعفاً اذا حصل العكس.

المصدر :جنوبيات