هذه القصّة المؤثّرة أخبرنيها أحد الأصدقاء من آل فرحات، وهو رجل أصيل ونبيل، وقد قمتُ بصياغتها على طريقتي المعتادة.
يُحكى أنّ رجلًا بلغ الستّين من عمره ذهب ذات مساء لزيارة والدته المسنّة ذات الثمانين عامًا، والتي انحنى ظهرها وأخذ منها الزمن ما أخذ.
جلس الابن مع أمّه العجوز وأخذا يتحدّثان طويلًا حتّى تأخّر الليل واشتدّ البرد، فقرّر أن يبيت ليلته عندها.
نام ملء جفنيه حتّى وقت صلاة الفجر، حيث قام من مرقده فتوضّأ ولبس ملابسه ولم يبقَ إلّا الحذاء. بحث عنه فلم يجده في المكان الذي تركه فيه. ثمّ بحث كثيرًا حتّى اهتدى إليه أخيرًا ووجده.
أتدرون أين وجده؟
لقد وجده "بجوار المدفأة"، وعلم أنّ أمّه الحنون وضعته هناك حتّى يجده دافئًا عند انتعاله إيّاه.
وقف ينظر طويلًا إلى ذلك الحذاء وهو يفكّر في حنان تلك الأمّ التي اعتبرته طفلًا في عينها حتّى وهو في الستّين من عمره.
طال به التفكير ولم يشعر بنفسه إلّا والدموع تتساقط من عينيه. وقال في نفسه: "يا الله هل يوجد مَن يفعل ذلك غير الأمّ؟
وهل يوجد في الدّنيا كلّها مَن هو أشدّ حنانًا وعطفًا من الأمّ على وليدها؟
فأمسك هاتفه وأطلق تغريدة عن الفعل الذي قامت به أمّه وأرفق معها صورة الحذاء بجوار المدفأة.
فوجئ فيما بعد بأنّ تغريدته قد بلغت الآفاق، وبشكل لم يتوقّعه، إذ نالت أكثر من 29 ألف مشاهد مع إعجاب الكثير منهم.
لقد اكتشف أنّه لم يبكِ وحده، بل وجد أنّ الكثير من الذين علّقوا على التغريدة يبكون من خلال الكلمات.
فأحدهم قال: (أبكتني هذه الصورة، ربِّ ارحمهما كمّا ربّياني صغيرًا).
وقال آخر: (أبكيتنا يا شيخ).
آلمني كثيرًا أحدهم عندما كتب: (فقدت أمّي، احمد الله أنّك لم تفقدها).
عندها، عدت إلى أمّي الغالية الحنون، احتضنتها وبكيت كثيرًا في حضنها وشرحت لها أثر فعلها في الناس، ورأيت السّعادة تملأ وجهها.
وعليه، مهما وصل بنا الحال في بِرّ والدينا فلن نصل ولا لجزء بسيط ممّا قدّموه لنا من تضحيات.
يقول أحد الصّالحين: "عندما ترحل الأمّهات تصدأ الخِياط (الإبر) التي كانت تخيط الجِراح"...
فالجنّة تحت أقدام الأمّهات، ومَن يريد الجنّة عليه أن يستغلّ وجودهنّ في الحياة ليقدّم لهنّ ما بوسعه بغية إرضائهنّ وإسعادهنّ.
هذا، وليعلم الجميع أنّه كلّما أرضيت والديك رضي الله عنك.
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: "وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانًا".
"ربّنا اغفر لنا ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب".
(صدق الله العظيم).