اللحظة تتكلم عن هذا المشهد الذي يتكرر بعد كل عدوان إسرائيلي على لبنان.
هي اللحظة التي ترسم حدود الوطن من الجنوب الى الشمال ، ومن الساحل الى البقاع، وهي خريطة الماضي والحاضر والمستقبل.
انها لحظة العودة جنوبا، فكل الاتجاهات هي نحو الجنوب الذي وقف صامدا دائما وعصيا على العدو الاسرائيلي، وسجل في كل مرة قصيدة التحرير.
هذه المرة كان العدوان الاسرائيلي واسعا وشاملا وبربريا، محدثا حركة نزوح لم يشهدها لبنان من قبل. وفاق أعداد النازحين من الجنوب والضاحية والبقاع المليون والـ 200 الفا،استضافهم أهلهم وشركائهم في الوطن على امتداد المساحات في بيروت والجبل والشمال.
وفي الكلام عن اللحظة، يتكرر المشهد من عام 2006 الى العام 2024، ويكسر ابناء الارض كل المخاطر والتحذيرات ليظّهروا الصورة من جديد في مشهد العودة جنوبا وبقاعا وضاحية بعد دقائق من موعد سريان وقف اطلاق النار .
انها الرابعة وخمس دقائق فجرا، وها هي مجموعات النازحين تتحرك بقوافل عفوية قبل بزوغ ألوان الصباح نحو الارض التي ارتوت بدم الشهداء.
كلّ الى مدينته وبلدته وقريته أكان في الجنوب أم في البقاع أو الضاحية الجنوبية التي زنرها العدو بالنار والصواريخ.
هي مسيرة العودة التي تتكلم عن نفسها خارج حدود الكتابة والتقارير والتصريحات.
وهي العنوان الأول والأخير لتمسك اللبنانيين بأرضهم مهما اشتدت بربرية أطماع العدو الاسرائيلي.
في طريق العودة يقول مواطن وصل الى الخيام التي ما زال جيش العدو يدنس جزءا منها: «وين بدي روح ؟انا رايح عبيتي ولو كان مدمر، انا رايح عأرضي اللي ما عندنا غيرها وما رح نتركها ابدا».
كلام بسيط أو مبسط يهدينا الى مصدر القوة التي كسرت كل مرة العدوان رغم حجم شراسته، والتضحيات التي تحملها أبناء هذه الارض .
وفي المشهد الآخر يقف جنود إسرائيليون في بلده كفركلا الملاصقة للحدود والدهشة تحاصر وجوههم وهم يشاهدون عددا من أبناء البلدة يدخلونها غير آبهين لرصاصهم وبيان جيش العدو وتهديداته.
هو مشهد يعبر من دون قرارات أو تحليلات عن أن هذا الشعب، مهما كان الثمن باهظا طوى زمن الهزائم وأخذ قرارا حازما وحاسما بعد أيام التحرير في العام 2000 أن الإحتلال الى زوال حتما وأنه لا ولن يبقى على أي شبر من أرضنا.
لم ينتظر النازحون من البقاع والجنوب والضاحية الضوء الأخضر للعودة، ولم يأبهوا بكل بيانات العدو وتهديداته ، ولم يلتفتوا إلى آلية وجدول اتفاق وقف النار وتنفيذ القرار 1701 .
تركوا كل هذه الامور الى الجهات المعنية، واتخذوا قرارهم بإرادة وطنية،إرادة مقاومة العدوان والإحتلال الاسرائيلي في كل المراحل والأوقات.
يوم العودة الى الجنوب والبقاع والضاحية هو يوم العبور من جديد الى الأرض التي تبقى الإسم الاول والأخير للوطن، والتي تحتضن أبناءها بكل طوائفهم وفئاتهم بعيدا عن حسابات الزواريب السياسية التي تسقط عندما تكون المعركة مع العدو الإسرائيلي.