أما وقد ظهر الخنزير بنيامين نتنياهو على الشاشات معلناً وقف إطلاق النار.. ومُحدّداً بدء سريانه بتمام الرابعة من فجر الأمس.. وعلى وقع الجنون الذي كانت بيروت تعيشه من بابها إلى محرابها.. وكأنّه يوم الحشر.. كان الناس في الشوارع رغم الأمطار والطقس البارد.. يتراكضون بحثاً عن بقعة أمان خوفاً من «طائرات الأبابيل الصهيونية» التي كانت ترمينا بـ»صواريخ من سجيل»..
احتضنتُ بناتي الثلاث.. ولقّنتهن الشهادة واستودعتهُنَّ رب العالمين.. وحملتهُنَّ على النوم رغم الخوف الذي يعتصر قلبي.. لكنّني آثرتُ لعب دور البطل.. لا لم أكُنْ مُرغماً، بل كُنتُ مؤمناً بأنّني مهما فررتُ بهن.. قدرنا ينتظرنا عند مفارق الوجود..
واحدة من أطول ليالي الجنون التي عشتها.. من بربور إلى مار الياس، المزرعة، المصيطبة، الشياح، السفارة الكويتية، وصولاً إلى الحمراء.. الموت كان مُحيطاً بنا من كل الجهات.. والخوف من أصوات الغارات وصواريخها.. كان أكثر إيلاماً ورهبة في قلوب الطفلات.. اللواتي تتراوح أعمارهن بين عامين و9 أعوام..
وحلّتَ «ساعة صفر» دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.. وبدل أنْ نرتاح من أصوات القصف.. بدأت أصوات «رصاص الابتهاج الطائش» توتّر فجرنا.. بعدما كان ليلنا بشعاً كوجوه الصهاينة الخنازير.. أغلقتُ النوافذ التي كانت مُشرّعة رغم البرد.. خوفاً من تكسر الزجاج بفعل الغارات.. لكن الرصاص كان أكثر خوفاً خاصة أنّه بدأ مع العتمة السابقة لضوء الفجر..
لكن مع انبلاج نور الصباح.. كان هدير محركات السيارات أكثر صدى من «صمت المدافع»..حيث توالت طوابير العائدين رافعة رايات «انتصرنا»!!.. يردّدونها وبكل فخر «انتصرنا».. بل ويقولون إنّه «عزٌّ ونصرٌ وفخر».. بحثتُ عن العز فوجدت الذل.. فتحتُ عيني أكثر علًّي أجد النصر فوجدتُ الهزيمة.. أما الفخر فهو قصة أخرى على وقع التباهي بالدمار و«الحجر بيتعمّر»..
أين النصر وقوّات العدو يمنعون العائدين من الوصول إلى قرية «الخيام».. ويُطلقون النار على الصحافيين في كفركلا.. أيُّ نصرٍ وهناك مَنْ دعاكم لـ»افتراش التراب» تحت الأمطار والعواصف.. فهنئياَ لكم نصركم ولو كان بطعم الهزيمة!!