الأحد 1 كانون الأول 2024 08:03 ص |
حرب لبنان الثالثة انتهت فماذا تركت من أرقام؟ |
* جنوبيات تظهر الأرقام الأولية والواقع على الأرض أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان كانت الأكثر شراسة من النواحي كافة بالمقارنة مع ما سبقها من حروب. حجم الدمار والخسائر البشرية والمادية وطبيعة القصف والأسلحة والقذائف المستخدمة، كلها عناصر تؤكد شراسة غير مسبوقة، وتنذر بأرقام أعلى من تلك التي سُجلت حتى اللحظة في التقارير الأولية. فما خلفته هذه الحرب يدعو إلى توقع أيام قاتمة تنتظر لبنان قد لا تقل صعوبة عن تلك التي رافقتها، وهذا ما أكده مراقبون ومتخصصون أشاروا إلى أن الأرقام الأولية المتوافرة قابلة للارتفاع بعد إجراء المسح الدقيق وتقييم الأضرار والخسائر بمزيد من الشمولية.
في التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي الصادر في الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، على أثر تقييم أولي للخسائر أُجري في الـ28 من أكتوبر (تشرين الأول)الماضي، بلغ حجم الخسائر الاقتصادية العامة 8.5 مليار دولار أميركي، ومن ضمنها الأضرار المادية وهي عبارة عن أضرار مباشرة فعلية في الأبنية والمحال التجارية، وخسائر القطاع الزراعي بلغت 3.4 مليار دولار. هذا إضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي بلغت 5.1 مليار دولار أميركي وتشمل الشركات وفرص العمل وغيرها من الخسائر غير المباشرة في الاقتصاد، كما يوضح المتخصص في التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي في جامعة السوربون نديم الفحيلي في حديثه مع "اندبندنت عربية". ويشمل هذا التقييم الأولي أربعة قطاعات أساسية وضعها التقرير على حدة، وهي التجارة والصحة والإسكان والسياحة، وثلاثة قطاعات أخرى هي الزراعة والبيئة والتعليم. ومن المفترض أن يتبع هذا التقرير تقييم آخر للأضرار يشمل المباني المتضررة بمزيد من الدقة والشمولية. أيضاً يشير الفحيلي إلى تراجع في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 6.6 في المئة في عام 2024 عما كان عليه في نهاية عام 2023، وكان عندها بحدود 18 مليار دولار. ويوضح، "هذا الرقم مقلق، خصوصاً أنه يأتي بعد تدهور وتراجع تدرجي حصل منذ بداية الأزمة الاقتصادية إلى اليوم. ففي عام 2019 بلغ حجم الناتج المحلي 50 مليون دولار وتراجع في سنوات الأزمة تدريجاً حتى أصبح 20 مليوناً في مرحلة أولى، قبل أن ينخفض إلى 18 مليون دولار في عام 2023". الفحيلي عد هذا التراجع ضخماً، خصوصاً بالنسبة إلى بلد له اقتصاد صغير مثل لبنان، قائلاً "صحيح أنه من الممكن تصحيح الوضع، لكن ذلك يتطلب إجراءات صارمة وجدية. ونتوقع الانكماش الاقتصادي خلال السنوات الخمس المقبلة، على أن يصل تراجع الناتج المحلي إلى 34 في المئة في حال عدم اتخاذ إجراءات لمعالجة الوضع، إذ يستمر بالتراجع حتى إذا توقفت الحرب نظراً إلى تداعياتها البعيدة المدى". ضمن التقرير أيضاً، بلغ عدد المباني المتضررة 100 ألف وحدة سكنية تضررت إما جزئياً أو بالكامل. أما حجم الخسائر في قطاع الإسكان فقد بلغ 3.2 مليار دولار. على مستوى القطاع التجاري، صحيح أن لبنان تأثر في مختلف مناطقه، إلا أن الضرر الأكبر طاول المناطق التي تعرضت للقصف والتدمير. وبلغ حجم الخسائر في القطاع التجاري مليار دولار أميركي. كما بلغ حجم الخسائر في القطاع الزراعي في البلاد 1.2 مليار دولار، علماً بأن مناطق البقاع المتضررة هي مركز الثقل في الإنتاج الزراعي. وفي ما يتعلق بالنزوح، أشار التقرير إلى 875 ألف نازح من ضمنها عائلات كاملة. وفي التقرير عينه، ظهر في التقييم أن 166 ألف فرد فقدوا وظائفهم في فترة الحرب، مع ما لذلك من أثر في مداخيل الأسر، ومن المتوقع أن يكون التراجع بمعدل 166 مليون دولار من المداخيل، فهؤلاء الأفراد الذين فقدوا وظائفهم لن يتمكنوا من العمل بالدخل ذاته، ومن المتوقع أن يكون بمستوى أقل، ولو تمكنوا من إيجاد وظائف شاغرة في المرحلة المقبلة. التمويل الخارجي لإعادة الإعمار مع الأزمة الاقتصادية التي كانت تعصف بالبلاد قبل الحرب، فإن إعادة إعمار لبنان لا يمكن أن تتم من دون تمويل خارجي، وفق الفحيلي. وهي مسألة تتطلب وقتاً، إذ أتت الحرب بعد فترة من العجز، ومن الطبيعي ألا تكون الدولة قادرة على المساهمة اليوم في الإعمار، لكن عليها أن تباشر اتصالات مع الخارج لتأمين هذا التمويل بأسرع وقت ممكن، حتى لا تقع مزيد من الخسائر. وفي مقارنة بين خسائر الحرب الأخيرة، وتلك التي خلفتها حرب 2006، يشير الفحيلي إلى أن الوضع الاقتصادي للبنان أسوأ بكثير مما كان عليه عندما اندلعت حرب 2006، حين بلغت حينها قيمة الأضرار والخسائر المباشرة وغير المباشرة 5.3 مليار دولار، وهي أقل بكثير من تلك المترتبة عن الحرب الحالية التي بلغت 8.5 مليار دولار ويتوقع أن يزيد الرقم بعد أن يصدر البنك الدولي تقريره الثاني، بناء على المسوحات الهادفة إلى تقييم الخسائر الفعلية في الأبنية. من جهته، يعتبر الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين أنه من المبكر الحديث عن أرقام نهائية وحقيقية تحدد حجم الخسائر الناتجة عن الحرب بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار، إذ يحتاج ذلك إجراء مسوحات ميدانية وتقييم الوضع وفق تصور صحيح. لكن في تقدير مبدئي أشار إلى أن قيمة الخسائر المباشرة وغير المباشرة بلغت 12 مليار دولار، من بينها 600 مليون دولار للبنى التحتية، و520 مليون دولار أضراراً لمؤسسات صناعية وتجارية وسياحية، و920 مليون دولار لحرق الغابات وحقول الزيتون، و430 مليون دولار كلف رفع الأنقاض. وتضاف إليها كلفة ترميم المنازل المتضررة بشكل كامل أو جزئي لتصل إلى 5 مليارات و180 مليون دولار. وقد وضع شمس الدين هذه الأرقام، لا بناء على مسح ميداني إنما بالاستناد إلى الواقع، معتمداً على تقديرات لما قد يتطلبه ترميم المباني بالاستناد إلى كلف الترميم في المتر الواحد عامة، تضاف إليها التجهيزات التي تحتاج إليها المساكن، ويعدها كلفة أدنى في تقديرات أولية لحجم الخسائر والأضرار. ويضيف إليها الكلفة غير المباشرة الناتجة عن تدهور الاقتصاد وتقدر بـ4 مليارات و200 مليون دولار احتُسبت على أساس مستوى التراجع الاقتصادي المسجل والذي زاد بنسبة معينة في فترة الحرب. القطاع الصحي صمد على رغم الخسائر كان للقطاع الصحي حصة كبيرة من الخسائر في فترة الحرب، خصوصاً مع توسعها في الشهرين الأخيرين. وفي التقرير الأخير لوزارة الصحة العامة تبين أن عدد الاعتداءات على الجمعيات الإسعافية بلغ 231 بينما تعرض 67 مستشفى للاعتداءات وحصل 94 اعتداء على المراكز الطبية والإسعافية. وتعرضت 251 آلية للقطاع الصحي للأضرار أثناء الحرب في عمليات إنقاذ المصابين. وبلغ عدد القتلى من القطاع الصحي 222. أما أعداد الخسائر البشرية والوفيات في الحرب فبلغت 3961 قتيلاً و16520 مصاباً في حصيلة إجمالية. وظهر ارتفاع في أعداد الوفيات بسبب إضافة أعداد الجثث التي انتُشلت من تحت الأنقاض بعد وقف إطلاق النار، إضافة إلى الشروع في عملية تنقيح البيانات. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع انتشال مزيد من الجثث، ومع التحقق من هويات كل القتلى بعد الانتهاء من فحوص الحمض النووي، إضافة إلى تنسيق البيانات مع المستشفيات لضمان تقديم أرقام أكثر دقة وشمولية. لذلك، من المتوقع أن تصدر الوزارة تقريراً نهائياً فيه حصيلة شاملة للخسائر البشرية. في قطاع التمريض، أشارت نقيبة الممرضين عبير علامة إلى أن الحرب تسببت بخسارة ستة ممرضين هم من فئة الشباب، قائلة "هي خسارة كبرى لذويهم وللمؤسسات التي يعملون فيها وللقطاع التمريضي عامة. هذا إضافة إلى إصابات عديدة سجلت بين الممرضين". في حديثه مع "اندبندنت عربية" أوضح نقيب الأطباء يوسف بخاش أن القطاع الصحي والاستشفائي والطبي خرج من أزمات متتالية عديدة، بدءاً من الأزمة المالية عام 2019، وأزمة انفجار المرفأ، وجائحة كورونا، مما تسبب بتحديات كبيرة يواجهها، كما أن كلف المحروقات التي ارتفعت بصورة جنونية خلال الأزمة شكلت عبئاً كبيراً على المستشفيات، إلا أنها استطاعت التعامل معه والصمود. أيضاً تأثر الأطباء إلى حد كبير بالأزمات المتتالية مما أدى إلى موجات من الهجرة غادر فيها 4 آلاف طبيب تقريباً. وفي أوائل عام 2024 كان القطاع قد بدأ التعافي جزئياً بحسب بخاش مع عودة قسم من الأطباء الذين هاجروا ومع التأقلم مع تداعيات الأزمة المالية وانهيار سعر الصرف. كما أسهم في هذا التعافي أن الجهات الضامنة عادت إلى تغطية بعض الأعمال الطبية للمضمونين. يقول نقيب الأطباء، "بدأت الحرب منذ نحو عام وشهر، لكن تأثيرها الأكبر كان قبل أكثر من شهرين لدى انفجار أجهزة البيجر نظراً إلى الارتفاع الهائل في أعداد المصابين دفعة وحدة. كما نتج عن الحرب قرابة 4 آلاف وفاة وإصابة 16500 مواطن. كنا نعلم أن القطاع الصحي منهك قبل بداية الحرب، وأنه لن يتمكن من استيعاب هذه الصدمات كلها. لكن، في الواقع، تمكنت المستشفيات من استيعاب هذا الكم الهائل من الإصابات، ووفر القطاع الاستشفائي الذي فيه 8 آلاف سرير، 2500 سرير للمصابين، وعُولجوا خلال أربعة أو خمسة أيام وأعطوا الرعاية اللازمة". يرى بخاش أنه بفضل السياسة الصحية الموضوعة كان من الممكن استيعاب الصدمات، ومعالجة الجرحى بشكل أمثل. وصحيح أن المستشفيات استخدمت مستلزماتها واستعانت بمخزونها الخاص في الحرب، لكن الدول الصديقة ساعدت لبنان وقدمت المستلزمات التي وزعت على المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية لتعزيز المخزون وتغطية الحاجات لأشهر قادمة. هذا، مع ضرورة التأكيد أن المستشفيات قادرة من النواحي كافة على القيام بدورها وتقديم الرعاية اللازمة للمواطن. لا ينكر نقيب الأطباء أن ثمة تحديات مستقبلية مع تضرر قسم من المستشفيات وخروج تسعة منها عن الخدمة، كما تضرر بشكل جزئي 20 مستشفى، إضافة إلى هجرة ونزوح عديد من العاملين في المستشفيات. لذلك، يشدد بخاش على ضرورة تدخل الدولة ووزارة الصحة لإعادة هيكلة الخريطة الطبية والاستشفائية وتقييمها بطريقة علمية لتوزيع الأسرة بحسب حاجة البلاد، وإن كان لا ينكر أن ذلك يتطلب قراراً سياسياً واستقراراً أمنياً للوصول إلى جميع مراكز الرعاية الأولية والمستشفيات التي استُهدفت ودُمرت، وتلك التي خرجت عن العمل خصوصاً عند الشريط الحدودي وفي قرى جنوبية. والمطلوب أيضاً التمويل اللازم لهذه المستشفيات لترميمها الذي قد يتطلب أشهراً. يشير بخاش إلى أن "نسبة 70 في المئة من الإصابات بليغة ومتقدمة وتحتاج إلى جراحات متعددة لترميم الأنسجة ومتابعة طبية ذات كلفة مرتفعة جداً، وتقدر بـ80 إلى 100 مليون دولار أميركي. من هنا أهمية تأمين مصدر التمويل سواء كان من موازنة الدولة أو من دول صديقة ودول مانحة. المصدر :اندبندت - كارين اليان ضاهر |