شكّل الصراع العربي الإسرائيلي، أكبر التحديات التي تواجه العرب، خاصة، لدى البلدان المحيطة بفلسطين: لبنان وسوريا والأردن ومصر، وقد انعكس هذا الصراع المستديم على شكل الوضع الداخلي ومظاهره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وربط التحولات الداخلية بسير هذا الصراع القومي ونتائجه، تحت شعار تضليلي «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أي إعطاء الأولوية لمواجهة العدو الوطني والقومي، على حساب الحقوق الأساسية للمواطن العربي، مع التفاوت بين بلد وآخر في الأولويات الوطنية.
لقد تمكنت المستعمرة الإسرائيلية من رمي القضية الفلسطينية وتبعاتها اللاجئين إلى الحضن العربي: اللبناني والسوري والأردني عام 1948، وتغيير عنوان وحقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بقرار الأمم المتحدة: 1- قرار التقسيم 181 وحل الدولتين، 2- قرار حق اللاجئين بالعودة 194، إلى القرار 302، المتضمن تشكيل هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لاحظوا كلمتي الإغاثة والتشغيل، وبذلك تم تحويل قضية الشعب الفلسطيني من قضية سياسية تتمثل بالقرارين 181 و194، إلى قضية إنسانية تتمثل بالقرار 302.
وهكذا تحولت قضية الشعب الفلسطيني التي سببها الاحتلال الإسرائيلي المفترض أنه مسؤول عن حلها ومعالجة نتائجها، تحولت إلى قضية عربية فجرت الخلافات العربية العربية: التصادمات الفلسطينية مع الأردن وسوريا ولبنان، وقد بقيت كذلك حتى تمكن الرئيس الراحل ياسر عرفات اعتماداً على نتائج الانتفاضة الأولى عام 1989، من نقل العنوان والقضية والنضال والصراع في المنفى إلى الوطن بعد عام 1993، على أثر اتفاق أوسلو الذي أرغم إسحق رابين على الاعتراف بالعناوين الثلاثة : الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبالحقوق السياسية للفلسطينيين، وعليه جرى الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية بدءاً من غزة وأريحا أولاً وعودة أكثر من 400 الف فلسطيني مع الرئيس الراحل أبو عمار، وولادة السلطة الوطنية كمقدمة لقيام الدولة المستقلة.
والشيء الأكيد أن هذا الاتفاق لم يجد قبولاً من قبل اليمين الإسرائيلي وقياداته: نتنياهو وشارون وشامير، وقد عرقل نتنياهو وشامير تنفيذ الاتفاق، وأعاد شارون احتلال المدن الفلسطينية في آذار 2002، التي سبق وانحسر عنها الاحتلال، وتم اغتيال رابين رئيس الوزراء يوم 4 تشرين الثاني نوفمبر عام 1995، وفرض الحصار على ياسر عرفات واغتياله ورحيله يوم 11 تشرين ثاني نوفمبر عام 2004، على خلفية الانتفاضة الثانية عام 2000.
هذه التطورات بالقضية الفلسطينية، انعكست بشكل أو بآخر على أمن واستقرار البلدان العربية المحيطة بفلسطين:
انفجرت الحرب الأهلية في لبنان وبقيت 17 سنة، بين القوى الانعزالية والحركة الوطنية اللبنانية، حتى تم التوصل إلى اتفاق الطائف يوم 30 أيلول سبتمبر 1989.
وانفجرت أحداث سوريا عام 2011، إلى اليوم، وها هي تتجدد ليس صدفة ولكن بعد مجازر غزة ولبنان وممارسة أقسى أنواع العداء والفاشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين واللبنانيين.
أما الأردن فكان البلد الأكثر واقعية وعقلانية حيث عالج أوضاعه الداخلية بالحكمة والصبر والتوصل إلى تفاهمات مع قوى المعارضة السياسية.
لن أتحدث عن البلدان العربية المحيطة في فلسطين والتي تدفع ثمن الصراع العربي الإسرائيلي، وتشارك فيه، مرغمة أو عن قناعة لحماية أمنها الوطني أو لاسترداد أراضيها المحتلة: سوريا ولبنان، وانعكاس هذا الصراع على أنظمتها الداخلية، ولكنني أجد من الضرورة أن أتحدث عن انعكاسات ذلك على أوضاعنا الأردنية وخيارات الدولة في تعزيز التماسك الداخلي وجبهتها الداخلية لمواجهة التحديات والتجاوب مع الاستحقاقات.