يثير الغموض المحيط بآفاق المرحلة المقبلة وانعكاسها على لبنان قلقاً في أوساط لبنانية، حيال ما سيكون عليه تعاطي القيادة الجديدة لسوريا مع الملف اللبناني، وأيّ دور سيكون لتركيا في المشهدية على الحدود الشمالية.
مرد القلق أن السقوط السريع للأسد والانتقال الهادئ للسلطة إلى يد الحكومة في المرحلة الانتقالية الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات وإعادة تكوين السلطة، التي بدأت أولى خطواتها بتسمية رئيس حكومة مكلف تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، يطرح علامات الاستفهام حول ملامح التسوية التي انتهت إلى إنهاء حكم البعث وإضعاف "حزب الله" في لبنان وسوريا على السواء ومن ورائهما نفوذ طهران في المنطقة في أقل من ثلاثة أشهر، على نحو بدأت ترتسم فيه معالم خريطة جيوسياسية جديدة قد لا يكون لبنان بعيداً عنها.
على هذه المخاوف، تفيد المعلومات أن لبنان يشكل جزءاً أساسياً من التسوية المقبلة على المنطقة ضمن المشروع الأميركي الجديد القاضي بالانخراط مجدداً فيها وبإنهاء النفوذ الإيراني المتمادي عبر أذرعه العسكرية. وتؤكد المعلومات أن القرار يقضي بتحصين الاستقرار الداخلي ومنع أي احتمالات أو محاولات من شأنها أن تمسّ به وتزعزعه، خصوصاً إذا ما التزم لبنان التزاماً جدياً وفعالاً تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 في الجنوب، على نحو يعزز صدقيته في الإيفاء بالتزاماته ويستعيد سيادته على أراضيه.
ليس في المعلومات ما يشير إلى أن الحكومة حصلت على ضمانات دولية واضحة في هذا الشأن، إلا أن المعطيات المتوافرة تؤكد هذا التوجه، مضيفة أن الأمن الداخلي ممسوك تحت مظلة قرار لبناني دولي بعدم المسّ به.
يبقى التحدي الأساسي أمام الحكومة والجيش في التزام أمرين على محورين أساسيين، أولهما على جبهة الجنوب بالتطبيق الجدي للقرار الدولي وسحب سلاح "حزب الله" وإلغاء كل المظاهر المسلحة. أما المحور الثاني فيتمثل بجبهة الحدود مع سوريا لجهة ضبط حركة تدفق النازحين، التي يُفترض أن تصبح في الاتجاه المعاكس، أي من لبنان إلى سوريا بعدما انتفت أسباب هذا النزوح وزال الخطر الأمني، وبات في إمكان النازحين السوريين العودة إلى مدنهم وقراهم، علماً بأن التحدي الآخر الذي لا يقل أهمية يكمن في إمكان فتح الحدود أمام مسؤولين سوريين سابقين من بقايا النظام، تربطهم مع لبنانيين مصالح مشتركة. وهذا الأمر حذر منه أمس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي قال في بيان إنه بعد ورود أخبار عن هروب بعض قيادات النظام المخلوع إلى لبنان، عبر المعابر الشرعية أو عبر لبنان إلى دول أخرى، ينبّه الحزب من خطورة تحويل لبنان إلى ملجأ آمن لهؤلاء، داعياً الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والقضائية إلى تدارك هذا الأمر ومنع حصوله كي لا يتحمّل لبنان تداعيات قانونية وسياسية نتيجة لهذا الأمر.
وقد ردّت أوساط قريبة من السرايا على هذا التخوّف، بالتقليل منه، كاشفة أن الأجهزة الأمنية تتابع عن كثب هذا الوضع، منعاً لأي استغلال أو استفزاز من شأنه أن يثير اضطرابات داخلية في ظلّ الانقسامات والاحتقان الشعبي بين مؤيّد أو معارض للنظام الساقط.