الجمعة 13 كانون الأول 2024 09:10 ص |
تحديات اقتصادية متراكمة |
* جنوبيات
عندما نغرق في حروبنا المؤلمة، تتحول تحدياتنا الاقتصادية من طويلة الأمد الى قصيرة. في الحروب الحاصلة حاليا في أوكرانيا وغزة، تهتم الحكومات عن حق في الحفاظ على سلامة المواطنين الآنية الأمنية والصحية والمعيشية. تؤجل الحوارات وتنفيذ الحلول المرتبطة بالمشاكل الطويلة الأمد الى ما بعد وقف اطلاق النار أو الى ما بعد انتهاء الحروب مع خاسر ورابح. تواجه اذا الحكومات المشاكل الطارئة، لكن ذلك لا يعني أن التحديات الطويلة الأمد تصبح أقل خطورة على مستقبل الدولة والمواطن. في أوكرانيا مثلا، ما هو الهم الأساسي الآن للرئيس زيلينسكي وحكومته؟ طبعا ليست قضايا المناخ بالرغم من أهميتها، بل سلامة الأوكراني وحصوله على أبسط بل أهم الحاجات المعيشية. همه أيضا التحضير لحسن التعاون مع الولايات المتحدة والغرب بعد استلام ترامب الرئاسة. هنالك أولويات تحترمها كل الحكومات المسؤولة في فترة الأزمات حيث الامكانات محدودة وأقل من حجم وعمق الحاجات والمخاطر. أولا: الخلل الديموغرافي المتزايد الذي يختلف من دولة الى أخرى. ما هو تأثيره على العمالة المستقبلية حيث لا نمو من دون عمال. في الدول التي تخسر نمو سكانها بسبب ضعف الانجاب وارتفاع العمر المرتقب، سيحتاج الاقتصاد عاجلا أم آجلا الى استيراد العمالة للتعويض. أهم هذه الدول العاجزة ديموغرافيا هي بعض دول أوروبا الغربية التي لا تنمو سكانيا وترفض في نفس الوقت استقبال المهاجرين واللاجئين الذي يصلحون كعمال لتلبية الحاجات الأساسية المطلوبة في المجتمع. هنالك تأثير كبير للنمو السكاني على الانتاجية والابداع وعلى القدرة لتمويل تكلفة التقاعد حيث ترفض المجتمعات رفع سن التقاعد. هنالك تأثيرات كبيرة أيضا على المالية العامة من ناحيتي الانفاق والايرادات أي تأثير كبير على حجم العجز المالي وبالتالي على نمو الدين العام. ألنمو السكاني هو في غاية الأهمية لكن بعض الدول تتجاهله لعدم قدرتها على مواجهة كل التحديات سوية. بعض الشعوب التي تعاني من وجود نمو سكاني ضعيف أو من انحدار عدد السكان تواجه بنفس الوقت المهاجرين بعنف كما تتطرف نحو اليمين. يظهر ذلك جليا في الخطابات السياسية وفي نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية الحديثة.
ثانيا: تحدي توزع الثروة والدخل، اذ للعولمة وانفتاح الاقتصادات تأثيرات كبيرة على التجارة الدولية تنعكس ايجابا على نمو الاقتصادات النامية والناشئة. لكن من مساوئ العولمة الأساسية توسع فجوتي الثروة والدخل بين الفقراء والأغنياء، وهذا يضر بالاستقرار السياسي والمعيشي الذي تحتاج اليه كل المجتمعات. لذا تحصل في العديد من الدول أعمال شغب وعنف أسبابها الأساسية اقتصادية وسياسية. تكمن المشكلة اليوم في أن الحلول المعتمدة من قبل الحكومات تسيء الى الأوضاع وليس العكس. ما هي تلك الحلول؟ تقييد التجارة الدولية عبر الضرائب الجمركية ورفع النسب الضريبية على الأرباح النابعة من الاستثمارات المشتركة وغيرها من الاجراءات التي تخفف التعاون لصالح الاستقرار بينما المطلوب هو العكس تماما. المشكلة حقيقية وعميقة ويجب مواجهتها لكن الحلول الموضوعة غير مناسبة.
رابعا: حماية البيئة حيث ما زال التلوث يرتفع عالميا ويسيء الى نوعية المياه والهواء وبالتالي الى صحة الانسان. النمو الأخضر هو مهم جدا وتقوم الحكومات المسؤولة في اعتماده. دول مجلس التعاون الخليجي رائدة في هذا التحول انتاجا واستهلاكا، أي من الطاقة الملوثة الى الخضراء وستظهر نتائجه الخيِّرة عالميا قريبا. معظم دول العالم يعي مخاطر التلوث وما المؤتمرات الدولية الا لتؤكد على ذلك. حماية البيئة تتطلب تنفيذ مجموعة متكاملة من السياسات تتفاعل في ما بينها لتؤثر بقوة على الاقتصاد. من الصناعات الرائدة في هذا التحول هي صناعة السيارات التي توجهها الحكومات المختلفة عبر سياسات متجانسة تهدف الى حماية البيئة. المصدر :جريدة اللواء - الدكتور لويس حبيقة |