يُحكى في صفحات الزّمان وكنه المكان أنّ أحد الأمراء كان لديه وزير شديد الذّكاء والنّباهة، وقد كثر حوله الحسّاد.
والمعروف عن هذا الوزير أنّه كان يلدغ بحرف الراء، فقرّر الحسّاد التآمر عليه واصطياده في نقطة ضعفه تلك. فاغتنموا فرصة إقامة الاحتفال بمناسبة حفر بئر ماء في الصّحراء المجاورة لقصر الأمير، وطلبوا من سموّه السّماح لهم بالطلب من الوزير المذكور إلقاء كلمة في الاحتفال على أن يضعوا هم نصّ الكلمة.
وافق الأمير على طلبهم وهو يُدرك نواياهم التآمريّة، لكنّه أراد أن يثبت لهم نباهة الوزير وذكاءه.
وكان يوم الاحتفال فجاءوا بنصّ تكاد لا تخلو فيه كلمة "من حرف الراء" الذي يلدغ به الوزير بحيث أرادوا أن يجعلوه مضحكة للناس وهو يلقي تلك الكلمة.
وعندما حان وقت إلقاء كلمة الوزير أعطوه النصّ الملغوم ليقرأه. لكنّ الوزير النبيه ما إن وقعت عيناه على النصّ حتّى أدرك حجم المؤامرة.
(وكان النصّ يقول: "أمر أمير الأمراء، أن يُحفر بئرٌ في الصّحراء، ليشرب منه الشّارد والوارد")، فوقف الوزير فوق المنصّة وقال:
"أيّها القوم، حكم حكيم الحكماء، أن يُنبش جبٌّ في البيداء، لينهل منه الشّادي والغادي".
ذُهل الحسّاد وانقلب السّحر على الساحر. فقال لهم الأمير:
"هذا هو الفارق بين حسدكم ونباهته".
إنّها "نباهة القائد" التي تطفئ نار الحاسد، فينكفئ مع حسده ويتوارى كي لا تتكرّر الخسارة.
أمّا في لبناننا العزيز فإنّ بعض وزرائنا يلدغون في الأحرف كلّها، لكنّهم نبهاء جدًّا في كيفيّة جعل المواطن عبرة لمن يعتبر في فقره وعوزه وقلّة حيلته. ولا من قائد يتحسّس تلك الأوجاع والآلام.
فيا ربّ ارحم شعبًا أذلّه حكّامه.