21 يوما بالتمام والكمال تفصلنا عن جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل لانتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية، في ظل آمال معقودة بأن تضع هذه الجلسة حدّا للفراغ المستوطن في قصر بعبدا منذ ما يزيد عن السنتين.
وتوحي الاتصالات والمشاورات التي تجري بين الكتل السياسية حول الملف الرئاسي وكأن الظروف أصبحت مهيّأة لإنجاز هذا الاستحقاق، فيما تتحدث مصادر متابعة عن استمرار العقد التي تمنع حصول التوافق المطلوب لهذا الغرض، على الرغم من إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري على عقد الجلسة في موعدها وعدم التجاوب مع بعض الرغبات الداخلية والخارجية لتأجيلها، لا بل تأكيده بأن الدخان الأبيض سيخرج من البرلمان إيذاناً بانتخاب الرئيس في هذه الجلسة، وهو واظب في الأيام الماضية على ضخ أجواءً تفاؤلية حول الملف الرئاسي والتي كان آخرها قوله بعد لقائه رئيس الوزراء اليوناني «الجو منيح، وان شاء لله يكون لدينا رئيس في جلسة الانتخاب القادمة».
ووسط الاهتمام الملحوظ داخليا وخارجيا بالملف الرئاسي وفق رؤية ان الظروف سانحة اليوم لتعبيد طريق قصر بعبدا ونفض الغبار عن كرسي الرئاسة، فان قوى سياسية ما تزال تقارب هذا الملف بحذر شديد، وتعلن صراحة عن رغبة لديها بتأجيلها أسبوع أو أسبوعين لإنضاج الطبخة الرئاسية بشكل وافٍ، وفي مقدمة هؤلاء «القوات اللبنانية».
وفي رأي مصدر وزاري ان الملف الرئاسي دخل مدار الضبابية وصعوبة الوضوح، وان هناك من بدأ بلعب لعبة المناورات في سبيل تحسين الشروط والمواقع في العهد الجديد، مستبعدا في الوقت ذاته أن يتجاوب الرئيس بري مع أي دعوة للتأجيل ان كان ذلك من «القوات» أو غيرها، لأنه يعتقد ان الفرصة اليوم مؤاتية لحصول عملية الانتخاب في ظل التطورات التي تحصل من حولنا والتي كانت بمثابة زلزال الذي يحتّم على لبنان أن لا يبقى من دون رأس لكي يتمكن من مجابهة ارتدادات هذا الزلزال الذي فاق كل التوقعات.
وعما إذا كانت جلسة التاسع من الشهر المقبل ستكون الخاتمة لمسألة الشغور الرئاسي، يقول المصدر ان كل شيء مرهون بوقته كون ان المنطقة حبلى بالتطورات، وفي ميزان قياس النسب فان نسبة التفاؤل بانتخاب رئيس، يقابلها ذات النسبة التي تقول العكس، وهذا نتيجة مناخات «التشويش» التي تسيطر على الأجواء اللبنانية نتيجة ما انتهت إليه الحرب أولاً، وثانيا بفعل التطورات الدراماتيكية التي حصلت في سوريا والتي قلبت المشهد السياسي رأسا على عقب، وهذا يبقي المراقب حذراً في إعطاء الجواب النهائي تجاه هذا السؤال.
وفي تقدير المصدر الوزاري ان هناك وقتا كافيا من الآن وحتى موعد انعقاد الجلسة لكي تتبلور الأمور أكثر، متوقعاً أن تطول لائحة المرشحين في الأيام القليلة المقبلة التي ستشهد أيضا مفاجآت حيث يقال ان قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع ربما يرشح نفسه للرئاسة، وفي الوقت عينه يتوقع أن يعلن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية انسحابه من السباق الرئاسي، وتوازيا ربما تخرج من وراء الستارة أسماء أخرى غير متداولة، وهو ما يؤكد بأن جلسة الانتخاب ربما ستكون من أكثر الجلسات إثارة في تاريخ الانتخابات الرئاسية، ولا سيما أن كلمة السر التي كانت تأتي من الخارج وتتحكّم بمسار ومصير هذا الاستحقاق ما تزال مبعثرة ان لم نقل غير موجودة، وأن الرئيس العتيد سيكون صناعة لبنانية، كون أن ما من جهة خارجية تستطيع الآن فرض مرشح معيّن، وأن أي دورا خارجيا في هذا السياق لا يتعدّى الى الآن عتبة التشجيع والنصح.
ولا يخفي المصدر وجود ضغوط أميركية تترافق مع ارتفاع في منسوب التأييد الداخلي لوصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى سدة الرئاسة، وهو يتصدّر الآن قائمة المرشحين، وهذا الأمر معلوم لدى كل المتعاطين بهذا الملف، والإدارة الأميركية واضحة في موقفها هذا على الرغم من الإيحاء بأنها لا تتدخّل في أسماء المرشحين، وفي حال كان لدى هذه الإدارة رغبة في تأجيل عملية الانتخاب فهو لكي تكون ظروف انتخاب العماد عون قد نضجت أكثر وحصد نسبة عالية من أصوات الكتل النيابية.
لكن المصدر يجزم انه حتى هذه اللحظة الرئيس بري ليس في وارد التراجع عن موعد الجلسة الذي حدّده منذ ما يقارب الشهر إفساحا في المجال أمام تفاهم الكتل السياسية على رئيس توافقي يكون قادرا على المساعدة في عبور لبنان الى شاطئ الأمان وتجنيبه تداعيات الرياح العاتية التي تضرب المنطقة.