في كلمته بالأمس، ظهر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بنظر البعض كمن يتعامل مع الاستحقاق الرئاسي على طريقة انه رجل المرحلة الانتخابية نظراً لموقعه المؤثر والمتقدم في بورصة الترشيحات بسبب تأييد كتل نيابية وازنة له في حال لم يتم التوافق بالأغلبية على مرشح واحد وجرت الانتخابات بين أكثر من مرشح، لكن في واقع الحال وبنظر الكثيرين ممّن تابعوا خطابه، قدّم فرنجية نفسه بمواقفه الواضحة والصريحة كالعادة على انه سيكون رئيس المرحلة لو تم انتخابه، بعد «المعايير» التي وضعها لأي مرشح مسيحي ماروني وجوهرها «رئيس طحّيش لبناء المؤسسات ويملأ الموقع لا الكرسي ويكون رئيس انجازات لا رئيس تسويات ومحاصصات كما جرت العادة».
أعاد فرنجية في كلمته خلط أوراق الاستحقاق الرئاسي، ولو أن كتلة اللقاء الديموقراطي أعادت خلطها قبله بتأييد ترشيحها لقائد الجيش العماد جوزيف عون، وكما فعل وليد جنبلاط بوضع الكتل النيابية أمام ضرورة المبادرة الى تسمية مرشحيها بدل تضييع الوقت والذهاب الى العملية الانتخابية، وضع فرنجية كل القوى السياسية لا سيما المسيحية منها أمام واقع جديد تمثّل بإعلانه الاستمرار بالترشح... ولكن مع استعداده للعزوف في حال توافرت شخصية تحمل «المعايير» التي حدّدها. بمعنى آخر، رفض فرنجية أي إملاءات داخلية أو خارجية لإنتخاب هذا المرشح أو ذاك، وفرض نفسه مرشحاً قوياً وفي الوقت ذاته ناخباً قوياً للرئيس العتيد، وترك الباب موارباً بين دفتي الترشيح والعزوف، وهو أمر لا شك سيُعيد حسابات الذين راهنوا وتحرّكوا على أساس انه منسحب من السباق الانتخابي.
ووفق أجواء «تيار المردة»، فبالرغم من ان فرنجية تحدث عن المسيحيين الأربع الكبار كمرشحين طبيعيين للرئاسة، فهو ترك الباب مفتوحاً ولو بهامش صغير أمام التوافق على مرشحين آخرين ممّن تتوافر فيهم معايير الرئاسة، وقد يكون بينهم قائد الجيش. كما وضع جميع الأطراف أمام حيثية جديدة له بأن يكون مرشحاً رئاسياً قوياً وناخباً مسيحياً قوياً، بحيث لا يمكن تجاوزه في الحالتين.
وبنظر متابعين آخرين، فقد قطع فرنجية الطريق بذلك على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لطرح مرشحين آخرين لن تكون لهم حظوظ كبرى بلا توافق أغلبية القوى السياسية على مرشحي التيار. كما قطع الطريق على رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في طرح نفسه مرشحاً رئاسياً أو في اختيار مرشح للمعارضة لا توافق حوله بين أغلبية الكتل النيابية. مع إقرار فرنجية الضمني ان باسيل وجعجع حكماً من الناخبين الكبار.
وبرغم كل المواقف التي أعلنها سواء باستمرار ترشيحه أو اقتراحه أسماء أخرى في حال عزوفه، فهو لم يقطع خيوط وخطوط التوافق الذي تسعى إليه أغلب الكتل النيابية واللجنة الخماسية العربية - الدولية. كما لم يقطع أي خط أو خيط مع حلفائه وبخاصة ثنائي أمل وحزب لله، حتى لو اختلف معهما حول المرشح المطلوب للرئاسة. وفي حال تم التوافق على الشخصية التي تتوافر فيها المعايير التي حدّدها فلا شك ان فرنجية سيكون من الناخبين المسيحيين الكبار، وفي حال تم التوافق على شخصية لا تتوافر فيها المعايير فموقفه «لنبتعد أشرف لنا». وبذلك يبقى فرنجية زعيماً وطنياً مسيحياً لا منازع له صاحب موقف صلب لا رجل تسويات على حساب المبادئ بعدما تبدّلت ظروف لبنان والمنطقة، وبسبب عمق علاقاته المحلية والخارجية ومحبة الناس له.
لقد قرأ فرنجية المرحلة بدقّة بعد ما جرى في سوريا وبعد ما أسفرت عنه الحرب في لبنان وغزة، وهو العارف بحكم علاقاته القوية الخارجية الكثير من التفاصيل «التي يأتي وقتها للحديث عنها»، ففضّل التريّث في الاندفاعة بإنتظار جلاء الأمور إقليمياً وداخلياً، لكنه حدّد ثوابت جديدة وفق المتغيّرات الجديدة، بحيث انه سيبقى في الساحة السياسية لاعباً كبيراً إسوة ببقية اللاعبين الكبار لكن بروح جديدة وبرنامج واضح. وعلى هذا طرح نفسه رئيساً للمرحلة التي يعرف وقائعها وتأثيراتها، لا رجلاً من رجالها فقط يتعاطى معها من باب رد الفعل أو مجرد تسجيل موقف.