الجمعة 20 كانون الأول 2024 08:14 ص

ترامب والانعكاسات الأولى الدكتور لويس حبيقة الدكتور لويس حبيقة


* جنوبيات

 

لم يكن فوز ترامب بالرئاسة الأميركية انتصارا للجمهوريين بقدر ما كان فشلا ذريعا للديموقراطيين. تاريخيا الحزب الديموقراطي كان حزب العمال والنقابات والحد الأدنى للأجور، والحزب الجمهوري كان حزب الميسورين وقطاع الأعمال. في الاحصائيات، نسبة الجمهوريين التي تصف نفسها بالطبقة العاملة ارتفعت من 27% في 2002 الى 46% اليوم. هل تبدلت أو انعكست الأدوار؟ لا شك أن العولمة غيرت المقاييس وفتحت حدود المنافسة الى أحجام فاقت قدرة العمال والفقراء على المنافسة. ارتفاع الدخل الحقيقي بين 1980 و 2019 كان 40% أدنى من السنوات الثلاثين التي سبقت. نمو دخل الطبقات الوسطى كان ضعيفا بينما استفادت من الليبيرالية الاقتصادية الطبقات الميسورة والغنية. الشعوب غاضبة لا شك، ليس فقط في الولايات المتحدة وانما دوليا.
طبيعة وخصائص الأوضاع العامة الداخلية والدولية سمحت بفوز الجمهوريين بالرئاسة كما بالسلطة التشريعية. في العقود الأخيرة، خسر الحزب الديموقراطي العمال اذ تحول من حزبهم الى حزب المتعلمين والمثقفين. حاول الديموقراطيون استعادة العمال لكنهم فشلوا بينما ربحهم الحزب الجمهوري. خسر الديموقراطيون العمال لتحولهم الى حزب المثقفين المعتمد على التطور التكنولوجي والعولمة وعلى الأقكار الجديدة المتطورة حتى لو استعانوا بالمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين. من أقوى الاتهامات التي قام بها ترامب تجاه هاريس أنها فشلت في حماية اليد العاملة الوطنية عبر ضبط الحدود فأضرت بالمصلحة العامة. أكثر المتحمسين للاقتراع للحزب الديموقراطي هم اليوم المتعلمون والمثقفون اذ غادرهم العمال العاديون ونقاباتهم الفاعلة تارخيا لمصلحة الحزب.

من الأسباب التي ساهمت في الفشل التاريخي للحزب الديموقراطي أي في السلطتين التنفيذية والتشريعية هو عدم قرائتهم لرغبات المواطنين وأولوياتهم. ظن الديموقراطيون أن أهم المواضيع للمقترعين هي أمور الانجاب والاجهاض بينما كانت الأولويات معاكسة جدا أي اهتموا بالتضخم والمستوى المعيشي وكافة الأمور الصحية والتعليمية والغذائية. بالاضافة لاهمال الديموقراطيين لرغبات العمال، أهملوا أيضا حسن التخاطب معهم أي التكلم بنفس اللغة وبالطريقة التي يرغبون بها. كان الفشل الذريع انتخابيا وشعبيا. عدم ادخال العمال ومطالبهم بقوة الى الاقتصاد يؤثر سلبا دائما على التجدد والانتاجية وبالتالي على الأجور.
لم يكن منتظرا أن يحصل هذا الفوز الترامبي في دولة تمارس الديموقراطية منذ قرون. فاز ترامب بأصوات المقترعين الكبار كما بأصوات الشعب وهذا ما لم يحصل في الدورتين الرئاسيتين السابقتين. أيضا لا يحصل ذلك الا نادرا، مما دل على رغبة الشعب بالتخلص من الديموقراطيين واعطاء فرصة كبيرة لترامب بحكم البلاد بيد من حديد وهذا ما سيفعله حتى لو تضررت الديموقراطية والحريات. ما رجح فوز ترامب هو معالجته علنا، بطريقته، للمشاكل الجدية التي يعاني منها الشعب كالعرقية وتحديات الهجرة ودور النساء في المجتمع. كما استفاد كثيرا من «قوة» شخصية «الون ماسك» وانجازاته المدهشة بالرغم من شخصيته غير التقليدية. ما ساعده أيضا هو انسحاب كل المنافسين الجمهوريين وتوحدهم حوله بسرعة حتى السيدة «نيكي هايلي» السفيرة السابقة في الأمم المتحدة والتي نافسته بجدارة وكفاءة لكنها لم تستطع جذب المقترعين اليها بالأعداد الكافية. لم يرد أحد أن يكون خصما لرئيس بمواصفات وشخصية ترامب.
أما التحديات الأساسية التي تواجهه فهي امكانية قبول المجتمع الدولي بسياساته غير الجامعة حتى داخليا كالتعريفات الجمركية على أكثرية السلع المستوردة تقريبا.
أولا: وضع تعريفات على الاستيراد والمقصود هنا رفع سعر الواردات لانتاج بدائل داخلية مما يساهم بتقوية الصناعة الأميركية وتعزيز دورها في الاقتصاد العام. ينسى ترامب أن التعريفات الجمركية ترفع أسعار السلع المستوردة وبالتالي ترفع تكلفة المعيشة وتقوي التضخم العدو الأول للمواطن الأميركي. حتى تنجح هذه السياسة، يجب ان ينتج الاقتصاد المحلي سلعا توازي السلع المستوردة، بحيث يرتفع العرض لمواجهة الطلب وعندها تبدأ الأسعار بالانخفاض.

ثانيا: الانسحاب من حلف شمال الأطلسي وهذا غريب عجيب اذ كيف يمكن تصور حلف عسكري غربي من دون أميركا؟ وهل هذا هو الوقت المناسب للتهديد به بوجود حروب عدة تفرض التوجه بالطريقة المعاكسة وأهمها حرب أوكرانيا. ما المقصود بالتهديد بالانسحاب من «الناتو» في هذا التوقيت بالذات؟ هل من مصلحة أميركا والعالم اضعاف الناتو في ظروف عالمية كالتي نعيش فيها اليوم؟
ثالثا: مناقشة دور المرأة في السياسة والاقتصاد والجيش جديدة أميركيا وترامبيا. هنالك مجموعات مؤيدة لترامب تريد اعادة دور المرأة الاجتماعي الى الوراء. منهم من يريد ابعادها عن السياسة وعن المشاركة في القتال ضمن الجيش بل عن المساهمة في نهضة المجتمع ككل. نعتقد في دولنا أننا المجتمعات الوحيدة المتخلفة اجتماعيا، ونتفاجأ بأن هنالك أخرى لا تقل عنا سوأ. ماذا يحصل بالعالم؟ هل هذا جنون أم تغيير ظالم في العقليات بل مسيء الى المستقبل والى أقسام من المجتمع.
رابعا: يدخل موضوع الهجرة في صلب العقيدة الترامبية حيث يريد ليس فقط تقييد الاستقبال بل أيضا طرد ملايين المهاجرين والعمال غير الشرعيين. لكن كيف؟ وهل هنالك امكانية لتحقيق ذلك؟ هل يكلف الجيش الأميركي بهذه المهمة وكيف يجدهم في الشركات والمنازل والمعامل؟ مهمة صعبة حتى لا نقول مستحيلة ستوتر الأوضاع الاجتماعية الداخلية وتؤثر سلبا على الشركات التي تستفيد من عمالة جيدة رخيصة. واذا نجح في طردهم فهل يرسلون جميعا الى المكسيك، علما أن الرئيسة الجديدة صرحت بأنها ستقفل الحدود أمام القادمين غير الشرعيين. مشكلة كبيرة وحلها شائك بسيف ذو حدين.
خامسا: موضوع المناخ والاتفاقيات الدولية المرتبطة به. انسحب ترامب منها سابقا وعاد بايدن اليها ومن المتوقع أن ينسحب ترامب مجددا وبالتالي يترك الدول النامية والفقيرة في المجهول بحيث تسوء الأوضاع الصحية والاجتماعية كافة. ما نشهده من تغيرات مناخية مخيفة في الطقس يسبب خسائر في كل الكرة الأرضية.

المصدر :جريدة اللواء - الدكتور لويس حبيقة