الثلاثاء 24 كانون الأول 2024 17:32 م

لبنان يبحث عن جثامين مفقوديه وينتظر الانسحاب الإسرائيلي


* جنوبيات

إن سألت أي عائد إلى مناطق جنوب لبنان المتاحة بعد نزوح قسري دام أكثر من شهرين، هل انتهت الحرب؟ سرعان ما يجيب: لن تنتهي الحرب قبل الانسحاب الإسرائيلي المفترض من المناطق الجنوبية الحدودية التي توغل إليها بعد مرور 60 يوماً على قرار وقف إطلاق النار، وقبل توقف الخروق الإسرائيلية المستمرة يومياً بشهادة الـ"يونيفل" و"الجيش اللبناني" وعملية تدمير المنازل وجرف البساتين واعتقال بعض المواطنين، والسماح بعودة سكان مناطق جنوبي الليطاني وتحديداً سكان القرى الحدودية والحافة الأمامية.

على أعتاب بلوغ شهر على وقف إطلاق النار المعلن صباح الأربعاء الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم ينسحب الجيش الإسرائيلي وبعد طول "مراوغة" سوى من مدينة الخيام جارة مرجعيون عاصمة القضاء، القريبة من الحدود في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، وبدأت فوراً عملية البحث عن مقاتلين مفقودين من "حزب الله" يفترض أنهم قضوا في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي التي استمرت نحو شهرين متواصلين، حاول خلالها الإسرائيليون التقدم لاحتلال المدينة أكثر من مرة وعلى محاور مختلفة ولم يتمكنوا من السيطرة عليها كاملة إلا بعد إعلان وقف إطلاق النار.

عشرات المفقودين جنوباً

وترددت معلومات عن سقوط عشرات المقاتلين في مدينة الخيام وحدها، لكن التدمير العنيف وشبه الزلزالي الذي تعرضت له بعد مئات الغارات التي نفذتها الطائرات الحربية والمسيرة والمدفعية الثقيلة منذ ما قبل الحرب المعلنة في الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي، يعوق عملية البحث عن مفقودين محتملين تحت الأنقاض. ويتخوف عديد من ذوي المفقودين من أن يكون الجيش الإسرائيلي قد قام بسحب جثث أبنائهم بعد دخوله إلى البلدة في أعقاب وقف إطلاق النار، بما يشبه "اعتقال الجثامين" ونقلها إلى الداخل الإسرائيلي.

لم يعلن "حزب الله" بعد قرابة شهر على وقف إطلاق النار عن حصيلة قتلاه النهائية على نحو ما كان يفعل قبل الحرب الأخيرة، أي في معارك الإسناد مع غزة، لكن في عديد من البلدات الجنوبية أبلغ ذوي المفقودين من عناصره باحتمالية سقوط أبنائهم وأن البحث جار بين أنقاض القرى والبلدات التي يخليها الإسرائيليون، ودعا ذوي هؤلاء إلى إجراء فحوص للحمض النووي "DNA" تحضيراً لاحتمالية أن تكون بعض الجثث قد تحللت بفعل مرور الوقت أو تحولت إلى أشلاء بسبب القصف العنيف وأعمال التجريف في أعقاب دخول الجيش الإسرائيلي إلى قرى الحافة الأمامية وتعمده تفخيخ ما تبقى من منازل وتفجيرها.

صعوبات البحث عن مفقودين

تكمن صعوبة البحث عن المفقودين وبحسب مصادر متابعة في أن عناصر "حزب الله" ومناصريه في معارك المواجهات فقدوا اتصالاتهم بالقيادة الخارجية، وكانوا يتنقلون ويتحركون بين بيوت القرى التي سلمت من الغارات بناء على قرارات ذاتية بعدما أحكم الإسرائيليون سيطرتهم الجوية على كامل المنطقة جنوب نهر الليطاني، وأن جميع من كانوا في مناطق المواجهات باتوا في حكم القتلى بعد مرور شهرين من المعارك وشهر من وقف إطلاق النار، أي بعد ثلاثة أشهر متتالية، وهذا ما يدفع إلى البحث عن جثامينهم في جميع الأماكن المدمرة والمحتملة، بعد الانسحاب الإسرائيلي من عشرات القرى التي لم تتخل عنها تنفيذاً لبنود الاتفاق المبرم بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية وفرنسية.

وإذا ما تابعنا بيانات المديرية العامة للدفاع المدني في لبنان التابعة لوزارة الداخلية، نجد أنها باشرت عملياتها للبحث عن الجثث في الـ17 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وتمكنت فرقها بالتنسيق مع الجيش اللبناني خلال أسبوع كامل فقط من سحب ثماني جثث بينها جثة مواطنة سورية سقطت تحت ركام أحد معامل المدينة للألبان والأجبان.

وبعد شيوع معلومات عن أن فرق الدفاع المدني باشرت في البحث عن قتلى محتملين تحت أنقاض المنازل في بلدتي العديسة والطيبة (في قضاء مرجعيون) سارعت المديرية العامة إلى نفي الخبر مؤكدة أن "عناصرها لم يباشروا عمليات البحث ورفع الأنقاض في بلدتي الطيبة والعديسة، خلافاً لما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام". ومرد ذلك إلى أن الإسرائيليين لم ينسحبوا بصورة كاملة من بلدة العديسة ويطوقون بالنيران الطيبة المجاورة التي يتردد أن أكثر من 20 عنصراً من مقاتلي "الحزب" وربما أكثر بكثير، سقطوا فيها جراء الغارات العنيفة التي تعرضت لها والمواجهات التي حصلت على تخومها.

لا أحياء بين المفقودين

وينفي النائب في البرلمان اللبناني عن "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة لـ"حزب الله" علي فياض (ابن بلدة الطيبة الجنوبية) أي "رقم مبالغ به لعدد المفقودين، مؤكداً أنه لا يوجد لديه عدد تفصيلي لكن الأرقام الكبيرة التي تتداولها بعض وسائل الإعلام غير دقيقة، ولا يمكن معرفة عدد المفقودين قبل إزالة الردم. مستدركاً "لكن وبعد هذا الوقت الطويل الذي فقد فيه الاتصال مع هؤلاء المقاتلين، أنا شخصياً أستبعد وجود أحياء بينهم، مع العلم أنه بعد الحرب كان هناك قسم كبير ممن كانوا مفقودين يعتقد أنهم قضوا في خلال المعارك عادوا بعدما كانوا موجودين في الوديان والمغاور وأماكن معزولة، بعضهم كان قد جرى نعيه".

يؤكد النائب السابق عن كتلة "حزب الله" نزيه منصور أن "أبناء الطيبة لم يعودوا بعد إلى بلدتهم كي تبدأ عملية إزالة الركام لمعرفة الضحايا والمقاتلين الذين قضوا جراء الغارات على المباني والمنازل التي تعرضت لها البلدة، فابن شقيقي مثلاً، طبيب العظام زهير منصور فقدنا الاتصال به في اليوم الذي اغتيل فيه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في الـ27 من سبتمبر (أيلول) الماضي، ونما إلينا أنه قضى مع عدد من رفاقه تحت أنقاض أحد المباني، ننتظر وقف النار الفعلي والعودة إلى الطيبة كي نتمكن من سحب من سقطوا هناك دفاعاً عنها، مع العلم أن شقيق الطبيب وهو دكتور صيدلي سقط هو الآخر في مواجهة الاحتلال وسحبنا جثمانه ووضعناه وديعة في مقبرة الشويفات".

لا إحصاء قبل الانسحاب الإسرائيلي

ويضيف منصور، "هناك عدد من المفقودين لا نعرف عن مصيرهم شيئاً وحتى الآن لم تدخل فرق الدفاع المدني والجيش اللبناني إلى الطيبة كي تبدأ عملية البحث عن الجثامين. يتردد أن هناك مفقودين يراوح عددهم بين 27 و40 مفقوداً، الرقم غير دقيق بعد، إذ إن من كانوا فيها ليسوا جميعهم من الطيبة، ولا نتوقع أن نجد أحياء بعد مرور هذا الوقت".

ويشير النائب السابق إلى أن "كل قرية كانت تقاتل وحدها بمعزل عن الأخرى لمنع تقدم جيش الاحتلال، ومن البدهي مع الاستخدام المفرط للطائرات الحربية والطائرات المسيرة، التي أثبتت أن العدو الإسرائيلي كان يقاتل من الجو فقط أن يسقط معظم هؤلاء المقاتلين. مثلاً في الخيام خاض الشباب فيها ملاحم بطولية منعت أعتى جيش من احتلالها الكامل طوال أكثر من شهرين، لذلك كانت الخيام أول منطقة ينحسب منها الإسرائيليون. لكنهم قبل انسحابهم وفي وقت كان يفترض لوقف إطلاق النار وتوقف الأعمال الحربية، ظلت إسرائيل تدمر البيوت في الخيام وغير الخيام وجرفت حاراتها ويمكن أن تكون قد أسرت جثامين عدد من المقاتلين".

يضيف منصور، "ما لم يفعله الإسرائيليون إبان الحرب في الشهرين الأخيرين يفعلونه اليوم في هدنة وقف إطلاق النار، يدمرون البيوت ويجرفون البساتين ويعيدون احتلال القرى ويأسرون أو يعتقلون المدنيين اللبنانيين، وربما أسروا في وقت سابق عدداً من المقاتلين الأحياء أو جثامين القتلى منهم، وهم منذ وقف النار يصولون ويجولون ومن سيمنعهم من أسر جثث المقاتلين أو من كان منهم على قيد الحياة؟" ويؤكد منصور أن ابن عمه علي منصور الذي قضى في المواجهات "قام العدو بأسر جثمانه".

ويتساءل، "أين هي اللجنة الدولية برئاسة الأميركيين؟ أليس من الواجب عليها أن تراقب تطبيق وقف إطلاق النار؟ حتى الآن لم نلحظ أي مبادرة تدل على أن هذه اللجنة تعمل لتطبيق وقف النار أو تمنع في الأقل العدو الإسرائيلي من خروقاته وتلزمه بالانسحاب التدريجي، وليس أن تتركه يدخل إلى مناطق لم يسبق له أن دخل إليها في إبان الحرب".

مفقودون من "القومي السوري"

يقول مسؤول قطاع الجنوب في الحزب السوري القومي الاجتماعي "أبو وائل"، إن 13 مقاتلاً من الحزب "سقطوا في المعارك الدائرة في الجنوب من خلال تنسيقهم مع "غرفة العمليات المشتركة" وتم سحب جثامين تسعة منهم من يارين ومارون الراس وبنت جبيل وجرى تشييعهم كل في بلدته ومعظمهم من مناطق جنوب لبنان، منهم ثلاثة سقطوا في وقت سابق قبل المعركة الأخيرة التي بدأت في الـ23 من سبتمبر الماضي، إضافة إلى عديد من الجرحى ممن يتم علاجهم في مستشفيات المنطقة".

ويشير إلى أن "هناك أربعة مفقودين حتى الآن من الحزب السوري القومي، لم نعثر بعد عليهم أو على جثثهم فربما يكونون مطمورين تحت أنقاض المباني المدمرة، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي كان يواجه المقاتلين باستهدافهم بالطائرات المسيرة أو الطيران الحربي المتطور مستخدماً القذائف الكبيرة الفتاكة".

ويضيف، "الحزب وبالتنسيق مع ذوي المفقودين يواصل البحث عنهم بعدما أجرى الأهالي فحص الحمض النووي DNA، وجلنا على عدد من البرادات التي تحوي جثامين مقاتلين وضحايا العدوان مجهولي الهوية بين مناطق بنت جبيل ومدينة صور، نبحث عنهم في أي مكان محتمل، كذلك بحثنا في البرادات التي تحوي أشلاء. أما توقعاتنا بأنهم لا يزالون على قيد الحياة فباتت ضئيلة جداً بعد أن انقطعت الاتصالات بهم مدة طويلة، كانت آخرها تعود إلى الـ17 من أكتوبر الماضي، أي منذ أكثر من 64 يوماً".

حارة حريك

منذ يومين أعلنت المديرية العامة للدفاع المدني​ أن "فرق البحث والإنقاذ وبعد جهود استمرت منذ ساعات الصباح الأولى وحتى الآن، تمكنت من انتشال جثامين أربع ضحايا من تحت الأنقاض في منطقة حارة حريك- بناية أيوب قرب العاملية". وأوضحت في بيان، أنه "بذلك يكون قد عثر على المفقودين السبعة، الذين تم التبليغ عن فقدانهم (أمس)، جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت المكان في الـ27 من سبتمبر الماضي، بعد أن كان عناصر الدفاع المدني قد عثروا أمس على ثلاثة مفقودين"، مشيرة إلى أنه "تم نقل الجثامين إلى مستشفى بيروت الحكومي لإجراء فحوصات الـDNA، للتحقق من هوية أصحابها".

تكتم إسرائيلي

في المقابل وحتى اليوم تتكتم إسرائيل عن عدد الأسرى لديها من عناصر "حزب الله" أو جثامينهم مع العلم أنها وفي خلال توغلها إلى المناطق الحدودية الجنوبية أعلنت أكثر من مرة أنها أسرت عناصر من الحزب. ففي الـ16 من أكتوبر الماضي أكدت هيئة البث الإسرائيلية، "أن القوات الإسرائيلية تمكنت من أسر أربعة عناصر من حزب الله، بينهم قائد من قوة الرضوان (وحدة النخبة في الحزب)".

كما أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء الـ15 من أكتوبر الماضي، عن "أسر ثلاثة عناصر من حزب الله". وقال، إنه عثر "على فتحة نفق تحت الأرض داخل مبنى كان يستخدمه حزب الله"، وقام بتطويق المكان "الذي تحصن بداخله ثلاثة عناصر من قوة الرضوان مع وسائل قتالية عديدة وعتاد تسمح بالبقاء هناك مدة زمنية طويلة".

المصدر :اندبندت عربية