جاءت خطوة التعيينات العسكرية في وقت حساس تعيشه المنطقة، لتؤكد ان التعاون الوثيق بين رئيسي الجمهورية والحكومة يفعل فعله في تعبيد الطريق امام الحكومة وجعلها منتجة وفاعلة.
صدرت هذه التعينات وسط انقسام حاد حول قانون الإنتخابات والخطر المحدق بها والتي بات تأجيلها مؤكداً اقله لمدة سنة بالرغم كل ما قيل ويقال، وفي مرحلة السجال حول مواضيع اساسية تتعلق بالموازنة وسلسلة الرتب والرواتب والضرائب المفروضة على الناس في ظل وضع اقتصادي واجتماعي بائس، اضافة الى عودة السجالات حول دور وشرعية "سلاح المقاومة" خصوصآ بعد كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول هذا السلاح.
إن التعيينات العسكرية التي حصلت مؤخرآ تعدّ اول إجراء عملي ينتمي الى العهد الجديد ويعكس رؤيته وتطلعه الى إحداث نقلة في المكان الأكثر اهمية ودقة اي السلطة والتركيبة العسكرية الأمنية التي تشهد اول تغيير جوهري منذ سنوات لا سيّما في هذه المرحلة المزدحمة بالتحديات والمخاطر سواء في مواجهة الإرهاب او إزاء التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة.
عون وعثمان وصليبا ...
وهكذا فإن تعيين العماد جوزف عون قائداً للجيش واللواء عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي واللواء طوني صليبا مديراً عاماً لأمن الدولة جاء ليعزّز الثقة بفعالية وجهوزية المؤسسات العسكرية والأمنية في مقدمها الجيش اللبناني وبالوضع الأمني الذي تحكمه منظومة امنية متماسكة ومتعاونة فيما بينها خصوصآ في السنوات الماضية الاخيرة وحتى اليوم.
وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد لنا من القول انه في ظلّ الترحيب بالقادة الجدد وتجديد الثقة الشعبية بالمؤسسات العسكرية والأمنية، لا يجوز ان ننسى القادة الذين كانوا على رأس هذه المؤسسات وعملوا في ظروف صعبة وأبلوا البلاء الحسن طيلة السنوات الماضية.
كون التغيير الذي حصل انما حصل على قاعدة "خير خلف لخير سلف" واستمرارية المسيرة العسكرية والأمنية الوطنية وتناقل الأمانة من يد الى يد.
قهوجي وبصبوص وقرعة...
ولا بدّ هنا من التوقف عند العماد جان قهوجي القائد السابق للجيش اللبناني الذي خرج مرفوع الرأس بعدما ادى قسطه للعلى في ظل ما تحقق في ايامه من انجازات وتعزيز لقدرات الجيش وامكاناته ودوره، وما عُرف عنه من اداء حازم وقدرة على مواجهة الظروف والضغوط والتحديات التي كان حجمها كبيراً في السنوات الماضية...
العماد قهوجي ورغم كل ما تعرض له من حملات ظالمة وانتقادات ذهب معظمها في اتجاهات التحامل والافتراء قابلها الرجل بهدوء الواثق من نفسه ولم يشأ ان يضع المؤسسة العسكرية على خط التجاذبات السياسية وان تكون طرفآ في الصراع السياسي، وحال دون تدخل السياسيين في شؤون المؤسسة العسكرية وسلم الامانة الى العماد جوزف عون وكان خير سلف لخير خلف.
كما لا ننسى اللواء ابراهيم بصبوص المدير العام السابق لقوى الامن الداخلي هذا الرجل "الآدمي" الذي شكّل نموذجاً في المناقبية العسكرية والوطنية ولم يتردّد في اتخاذ القرار الصعب والجريء بمحاربة الفساد وفتح هذا الملف داخل مؤسسة الامن الداخلي، ودون ان ننسى ايضآ اللواء جورج قرعة المدير العام السابق لامن الدولة والذي تحمل الظلم والافتراء والذي اعاد اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشكورآ بعضآ من معنوياته ومعنويات جهاز آمن الدولة عندما دعاه لحضور اجتماعات المجلس الاعلى للدفاع بعدما كان ممنوعآ عليه المشاركة في الاجتماعات الامنية وذلك لاسباب سياسية معروفة .
عباس ابراهيم " لواء الحرية"...
ولكن يبقى ان العلامة الفارقة في هذه التعيينات تمثّلت في التجديد "للواء الحرية" مدير عام الأمن العام عباس ابراهيم ليكون الثابت الوحيد بين متغييّرين.
وليس بالأمر القليل ان يستمرّ اللواء ابراهيم مديراً عاماً للأمن العام على امتداد عهدين ومع رئيسين للجمهورية وفي ظل توافق سياسي وإجماع وطني قلّ نظيره.
ان التجديد لعباس ابراهيم هو تجديد للثقة الوطنية به، وهي الثقة الشعبية قبل الثقة الرسمية، وثقة الرأي العام والمواطنين قبل ثقة الحكومة والمسؤولين، وهذا ما كان يتوقعه اللبنانيون ويريدونه تقديراً للدور الذي قام به في ادارة ملفات وطنية وامنية على درجة عالية من الدقة والحساسية، وللجهود الذي بذلها في تعزيز قدرات وامكانات الأمن العام وتحسين اداءه وعلاقته مع المواطنين ورفع مستوى خدماته وانتاجيته، سيّما وانه الجهاز الأكثر تماساً مع المجتمع المدني.
عندما تسلّم عبّاس ابراهيم المديرية العامة للأمن العام قبل سبع سنوات حدث تململ عند البعض ولنقلها بصراحة عند اوساط مسيحية معترضة على خروج هذا الموقع من الحصة المسيحية في إطار التوزيع الطائفي للمراكز ووظائف الفئة الأولى، ولكن بعد هذه السنوات لم يتبق من هذا الإعتراض والتحفّظ شيئاً، والذين كانوا معترضين اصبحوا اليوم اول المطالبين بإبقاء اللواء ابراهيم في منصبه ومسؤولياته والإلحاح عليه كي يبقى مصدر ثقة وارتياح.
ولذلك يكفي اللواء ابراهيم انه قدّم نموذجاً يُحتذى به في كل المؤسسات لجهة ان الولاء الوطني يتقدم على اي ولاء طائفي وسياسي وان المسؤول لا يُحكم عليه من وراء انتمائه الطائفي وانما على اساس اعماله وانجازاته التي لا هوية لها الا الهوية الوطنية والمؤسساتية.
واللواء ابراهيم اثبت بالفعل لا بالقول وبالممارسة والتطبيق لا بالوعود والنظريات انه رجل دولة ورجل مؤسسات من الطراز الرفيع، فاستحق التجديد له والبقاء مديراً عاماً للأمن العام، هذا التعيين المتجدد هو تكريم وتقدير لمن هو اهل له ويستحقه.
اللواء عباس ابراهيم ما أعطى وعداً الاّ ونفذّه، وما تسلّم قضية الاّ والتزم بها وما عُهِد اليه بملف الاّ وانجزه على اكمل وجه، ولذلك حاز على ثقة اللبنانيين وصار التجديد له مطلباً عاماً وصار بقاؤه في المديرية العامة للأمن العام بمثابة حاجة وضرورة لإكمال ما بدأه في مسيرة ناجحة وطموحة.