الجمعة 17 كانون الثاني 2025 08:31 ص

بالنظام - العدل (2)


* جنوبيات

كانت لي بالأمس مناقشة مع صديق حقوقي مخضرم حول وزارة العدل، وهو شخص قد يكون معنياً بهذه الوزارة في عملية تأليف الحكومة الجديدة، وبالتالي انصب اهتمامه على معرفة رأيي حول أولويات وزير العدل المقبل والملفات أو المواضيع التي يُفترض أن يبدأ العمل الفوري عليها من قبل من سيتولى هذه الحقيبة.
لم يتوقف النقاش طويلاً على الجانب التشريعي المتعلق بقطاع العدالة لأن التشريعات ذات الصلة على أهمية مناقشتها وضرورة إقرارها، بعد تصويب العديد من جوانبها، تتعلق بالجهد التشريعي وبالورشة التي سيقوم بها المجلس النيابي، وهي عملية تأخذ بطبيعتها وقتاً ولا يمكن انتظار خواتيمها الهامة بل ينبغي الانطلاق في الورشة الداخلية في قطاع العدالة بالتوازي مع عملية الإصلاح التشريعية. وبالتالي ينبغي أن تبدأ عملية الترميم وإعادة البناء من ضمن الإطار التشريعي القائم.
في طليعة المهام سيكون استكمال تشكيل الهيئات القضائية ذات الطبيعة الإدارية أي تلك التي تتولى الإدارة القضائية، ولا سيما مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة. على أن هذه العملية يجب ألّا تنطلق من التسليم بما هو قائم، بل على قاعدة أن الأشخاص القادرين على البناء ليسوا بالضرورة ممّن شهدوا مرحلة التفكك أو ساهموا بها.
يلي ذلك المباشرة بإجراء المناقلات القضائية، وهي ورشة كبيرة جداً بعد أو توقفت تلك التشكيلات منذ العام 2016 وتمت الاستعاضة عنها باللجوء إلى الانتداب والتكليف وهي أدوات مؤقتة بطبيعتها تحوّلت بسبب الأزمات السياسية والدستورية إلى حالات دائمة مع كل ما يترتب عليها من تعقيدات في تكوين المحاكم واضطراب في العمل القضائي. وهذه الورشة يضطلع بها مجلس القضاء الأعلى ويقتصر دور وزير العدل على ما نص عليه قانون القضاء العدلي وعلى توقيع المرسوم العادي لتصبح المناقلات التي يضعها مجلس القضاء الأعلى نافذة.
أما بالنسبة للملفات القضائية الكبرى التي تهمّ الرأي العام وفي طليعتها التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، وقد تطرّق إليه الرئيس نواف سلام في كلمته على إثر تكليفه، والتحقيقات في الموضوع المالي والمصرفي ومكافحة الفساد، وتشمل ما هو جارٍ وما كان يُفترض أن يُفتح منها، فهي تتطلب العودة إلى الأصول وإلى احترام الإجراءات وقواعد الاختصاص. إن دور الوزير في هذا الصدد ينطلق من علاقته بالنائب العام التمييزي، وله أن يطلب إليه إجراء التعقبات بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه. على أن تفعيل الملاحقات يتطلب في الوقت عينه الحرص على منع الملاحقات الكيدية التي درجت العادة على ممارستها لتصفية الخصوم معنوياً.
قد تكون هذه العناوين من البديهيات ولكن التجربة أثبتت أن الابتعاد عنها تسبب بأضرار بليغة في قطاع العدالة. علماً بأن تلك الأولويات لا يمكن التعويل على نجاحها من دون تفعيل التفتيش القضائي، وقد ثبت أن غياب المساءلة يتيح الكثير من الأخطاء والتشوهات.
يشكل خطاب القسم وما تضمنه حول القضاء المنطلق الأساس للورشة القضائية ويعتبر عامل نجاح لمن سيتولى هذه المهمة. وإن المهام والصلاحيات المناطة بوزير العدل يجب أن تمارس بعناية وحرص شديديْن، وأن تجمع في الوقت عينه بين الفعالية، والحرص على استقلال القضاة واحترام الخصوصية القضائية.
المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق وزير العدل في المرحلة القادمة ستكون في مساعدة القضاء على استعادة هيبته وفي الحدّ من تطاول أهل السياسة على القضاة حتى عندما يخطئون وذلك بتفعيل المساءلة الداخلية الحازمة والرصينة والبعيدة عن الدعاية. هذا يتطلب، إلى جانب الإجراءات الفعلية، اعتماد خطاب رصين وعصري والتواصل الفاعل مع القضاء ومع الرأي العام.

المصدر :النهار