لم يشأ داود المراغي (أبو أحمد فؤاد) أن يرحل عن هذه الدنيا قبل أن يطمئن إلى إعلان اتفاق وقف حرب الإبادة على غزّة، ودون أن يلتحق بالشهداء الأبطال في القطاع الذي كتب بدماء أبنائه وأبناء فلسطين وقوى المساندة، واحدة من أهم الملاحم التاريخية الأسطورية في حياة أمّتنا.
صحيح أن أبا أحمد رحل وهو مقيم في دمشق، بعد أن عرفته عمان وبيروت، ناهيك عن مسقط رأسه سلوان في الضفة الغربية، إلاّ أننا نستطيع أن نعتبر أنه رحل شهيداً في غزّة وعلى طريق غزّة والقدس، لأن غزّة لم تكن جغرافيا فقط، بل هي أيضاً تاريخ يعتز أبو أحمد فؤاد أنه كان من خلال رفاقه في غزّة وعموم فلسطين وما زال، جزءاً منها، لاسيّما رفيقه البطل الأسطوري محمد الأسود (غيفارا غزّة) الذي جعل موشي ديان يعترف عام 1971، أنه "يسيطر على غزّة في النهار فيما المقاومة تسيطر عليها في الليل".
لقد عرفت أبا احمد فؤاد قائداً عسكرياً شجاعاً في جنوب لبنان، لاسيّما خلال اجتياح عام 1978، حيث دعم رفاقاً لبنانيين في تشكيل جبهة المقاومة الشعبية التي كان من أبرز شهدائها ابن بيروت الشهيد أياد نور الدين المدوّر، مثلما عرفته قائداً صنديداً في ملحمة حصار بيروت عام 1982، يسهم مع إخوانه في الجبهة الشعبية وعلى رأسهم حكيم الثورة الدكتور جورج حبش والمناضل أبو علي مصطفى، وفي فصائل الثورة الفلسطينية وعبلى رأسهم الشهداء القادة أبو عمار وأبو جهاد وأبو اياد وسعد صايل وأبو الهول وأحمد جبريل ونايف حواتمة وأبو العباس وسمير غوشة، والقوى الوطنية والشعبية اللبنانية، والجيش العربي السوري والمتطوعين العرب، لاسيّما من اليمن والعراق، في واحدة من أهم المعارك في حياة الأمّة والتي خرجت من رحمها إحدى أهم المقاومات في تاريخ الأمّة.
كما عرفت أبو أحمد في المؤتمرات واللقاءات والندوات السياسية والإعلامية، لاسيّما في المؤتمر القومي العربي الذي لم يغب عن أي دورة من دوراته منذ حضوره لأول مرة في عام 2005 في الجزائر، وفي المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين عام 2015، فكان من القادة المتميزين الذي جمع بين الفكر والسياسة من جهة، وبين الخبرة العسكرية من جهة أخرى، وهو بذلك كان يترجم بدقة التكامل بين الفعل المقاوم والعمل السياسي.
كان أبو أحمد فؤاد قومياً عربياً معتزاً بعروبته، وكان يسارياً أممياً ملتزماً بقضايا الفقراء والمعذبين من أبناء شعبه وأمّته والعالم، ولكنه كان أيضاً وطنياً فلسطينياً بامتياز على الدوام مدركاً أن فلسطين لن تنتصر إلاّ إذا حمل قضيتها رجال يدركون بعدها القومي والإسلامي والتقدمي والأممي.
حين كنت أسأل أخي الدكتور ماهر الطاهر نائب الأمين العام للمؤتمر القومي العربي والقيادي البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عن صحة أبي أحمد في الأونة الأخيرة بعد تدهورها، كان يجيبني، وهو رفيق العمر والدرب، أن جسد أبو أحمد في السرير لكن قلبه وعقله في غزّة، والتي كان واثقاً من انتصارها على حرب الإبادة.
لك الرحمة والخلود أيها القائد الفلسطيني الكبير، فلقد رحلت إلى جوار رفاق لك سبقوك إلى ملاقاة وجه ربك وعلى رأسهم د. جورج حبش، وأبو علي مصطفى، ووديع حداد، وهاني الهندي، وباسل القبيسي، وأحمد اليماني (أبو ماهر)، وغسان كنفاني وغيرهم وغيرهم من قادة الجبهة الشعبية والثورة الفلسطينية ومن شهدائها البررة، مدركاً أن مقاومة قادتها شهداء لا بدّ أن تنتصر.