الأحد 19 كانون الثاني 2025 15:47 م |
غزة غراد سيدة العالم قاهرة الغزاة |
* جنوبيات
في عام 2002 سمّى الشهيد الرمز ياسر عرفات مدينة جنين بجنين غراد نسبة إلى حصار مدينة ستالين غراد الروسية التي صمدت في الحرب العالمية الثانية بعد الحصار الألماني الطويل لها.
غزة غراد ليست ستالين غراد التي حوصرت ستة أشهر، فغزة محاصرة منذ أكثر من 17 عشرة عاما، وتواجه حرب الإبادة الجماعية على مدار أكثر من 15 شهرا. ستالين غراد حاصرها الألمان أما غزة فقد حاصرها وحاربها العالم أجمع، وألقي عليها من المتفجرات والصواريخ ما يعادل 8 قنابل نووية رغم مساحتها الصغيرة جدا.
غزة هاشم، قاهرة الغزاة، حمراء اليمن، بنت الأجيال، سيدة البحور، بوابة أسيا، ومدخل إفريقيا، وكل الالقاب التي حصلت علبها عبر التاريخ لا تصف عظمة هذه المدينة وأهلها، واليوم تستحق غزة لقب سيدة العالم.
إن ما جرى في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر عام 2023 رسخ مفاهيم جديدة وكرس حقائق مختلفة سيسجلها التاريخ وستشكل منعطفا مفصليا لأحداثه نلخصها بما يلي:
• طوفان الأقصى عملية بطولية وحق شرعي كفله القانون الدولي، ستتحول إلى أيقونة في تاريخ النضال الفلسطيني ونضال الشعوب فقد نجح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من قهر الحصن المنيع ، وتدمير صورة إسرائيل التي لا تقهر ، وتحرير جزء من الأراضي الفلسطينية حتى ولو لساعات أو أيام محدودة، وقد تحقق ذلك بعد 17 عاما من الحصار الشديد وثلاثة حروب شديدة تعرض لها قطاع غزة خلال فترة حصاره.
• الحقيقة الثانية هي أن إسرائيل لم تعد بلد الامن والأمان ليهود العالم فقد سعت إسرائيل منذ تأسيها لاستقطاب يهود العالم على اعتبار أن إسرائيل الوطن القومي ليهود العالم كما نص وعد بلفور المشؤوم 1917، ولكن عام 2024 سجل اعلى نسبة هجرة من إسرائيل حيث تشير الاحصائيات إلى هجرة حوالي نصف مليون إسرائيلي منذ عملية طوفان الأقصى، وكذلك سجلت أقل نسبة هجرة إلى إسرائيل.
• الحقيقة الثالثة التي كشفتها ورسختها غرة هي حقيقة المجتمع الدولي، والنفاق العالمي الذي يدعي الأخلاق العدالة والإنسانية وحقوق الإنسان فكل مؤسسات الأمم المتحدة لم تستطع حماية المستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس وخيم النازحين والأطفال والنساء والصحفيين، لم تستطع إدخال الطعام والشباب، فاستشهد الكثير بسبب الجوع أو العطش أو البرد، او عدم توفر العلاج.
• الحقيقة الرابعة وهي كشف وحشية هذا الاحتلال وإرهابه فلم يشهد العالم عبر التاريخ والعصور حربا مثل هذه الحرب، أو جرائم مثل هذه الجرائم وتعذيبا مثل هذا التعذيب الذي وصل إلى درجة تدمير وحرق المستشفيات بمن فيها وغير ذلك من الجرائم والمشاهد التي تحتاج إلى مجلدات لتوثيقها، ومما لا شك فيه بأن حالة النبذ والمقاطعة التي يعيشها الاحتلال الإسرائيلي سيكون لها أثر كبير على مستقبله.
• الحقيقة الخامسة تتمثل بإعادة الصراع إلى أصله عربي إسرائيلي لا فلسطيني إسرائيلي فشكرا للبنان الذي قدم التضحيات الجسام، ولليمن وللعراق الذين خاضوا المعارك وقدموا الشهداء لأجل فلسطين ، وشكرا للمملكة العربية السعودية التي قادت حراك دبلوماسيا واسعا لإنهاء الحرب وأسست التحالف الدولي لحل الدولتين ، وشكرا للأردن والكويت الذين قادوا جهود العمل الخيري والإنساني ولكل من ساهم في تقديم العون ، وشكرا لمصر وقطر الذين قادوا جهود الوساطة لتحقيق وقف إطلاق النار، وشكرا لكل المتظاهرين على امتداد العالم، مع أهمية إجراء مراجعة شاملة من العالمين العربي والإسلامي بشأن القدرة على حماية والأمتين العربية والإسلامية وحماية شعوبها ومصالها ، فقد كنّا نتوقع أن يكون التأثير أكبر من ذلك .ولكن للأسف فشل النظام العربي والإسلامي عبر شهور طويلة رغم عقد العديد من القمم من إدخال المساعدات أو حتى الحد من قوة الحرب لا وقفها.
• الحقيقة السادسة التي رسختها غزة هي أن الطريق الوحيد للسلام في فلسطين والعالم هو إنهاء الاحتلال فقد أصبح العالم بأسره يتحدث عن أهمية إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، فقد شهد العالم على مدار الأشهر الماضية أوسع حالة تضامن عالمية جمعت كل شعوب الكرة الأرضية، ونتجت عنها حالة وعي غير مسبوقة بالسردية والحق الفلسطيني، ونأمل أن يستثمر ذلك بحراك دبلوماسي عربي وفلسطيني واسع لفرض حل الدولتين على أساس المبادرة العربية للسلام.
أما الحقيقية الأهم هي انتصار غزة بصمودها وإيمانها وتضحياتها، غزة انتصرت وفرضت شروطها رغم الثمن الغالي والدمار الهائل ، غزة انتصرت رغم الوجع والألم ، غزة انتصرت رغم عدم تحقيقها أهداف طوفان الأقصى التي أعلن عنها ، غزة انتصرت لأنها رغم الدمار الشامل والحصار القاتل إلى أنها لم ترفع الراية البيضاء وبقيت تكبد الاحتلال خسائر جسيمة حتى أخر يوم قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار، غزة انتصرت لأنها حررت الأسرى وأفشلت كل محاولات إسرائيل وحلفائها وإمكانياتهم الامنية والاستخباراتية لاستعادة أسراهم دون اتفاق تبادل ، غزة انتصرت لأننا على مدار أكثر من 15 شهرا لم نشهد في غزة إلا صور البطولة والصمود والتضحية والاحتساب والثبات والاحتضان للمقاومة، وشهدنا صورا تدهش العقل والمنطق بحجم الاصرار والثبات عند أهل غزة . غزة انتصرت وفرحت واحتفلت بإعلان وقف إطلاق النار رغم حجم الالم لأنها فخورة بما انجزت ولأن الأمل ما زال يطغى على الالم.
غزة انتصرت في السابع من اكتوبر 2023، وكل ما جرى بعد ذلك هو انتقام وحقد وكراهية الاحتلال التي عرفناها عبر سنوات طويلة، وصاحبها تخاذل عالمي غير مسبوق ورغم ذلك انتصرت غزة وفرضت وقفا لإطلاق النار وتحررا لألاف الأسرى ، ليبزغ فجرا جديدا وأملا جديدا نكمل من خلاله مسيرة التحرر والاستقلال. فهنيئا لكل شهيد وجريح وأسير هنيئا لكل طفل ورجل وشيخ وامرأة في قطاع غزة هنيئا لكل فلسطيني وفلسطينية صمدوا ورابطوا وصبروا في غزة.
وفي ختام القول غزة انتصرت لنا جميعا ، وحان الوقت أن ننتصر لغزة بكل قوتنا والمطلوب:
• البدء الفوري بجهود الإغاثة وإعادة الاعمار وعلى كل فلسطيني أن يساهم بأقصى قدراته قبل مساهمة الدول. من أجل مداوة الجراح وتخفيف المعاناة قدر المستطاع عن أهلنا في القطاع.
• ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني والكف عن المناكفات وإنهاء الانقسام فورا وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتضم الكل الفلسطيني باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد.
• استثمار تضحيات غزة والشعب الفلسطيني بحراك دبلوماسي وسياسي للحصول على اعتراف الدول بالدولة الفلسطينية والعمل على فرض قرارات الشرعية الدولية بشأن فلسطين وحل الدولتين، ودعم جهود المملكة العربية السعودية بهذا الخصوص.
• مواصلة المقاطعة لكل منتجات الاحتلال وحث شعوب العالم على المقاطعة حتى إنهاء الاحتلال.
• البناء على حالة التضامن العالمي وتعزيزها لتبقى القضية الفلسطينية حاضرة.
نعم علينا تخليد شهداء غزة، ورعاية اسرهم والبناء على كل هذه التضحيات الجسيمة لنبني قواعد دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
المصدر :جنوبيات |