الثلاثاء 21 كانون الثاني 2025 07:18 ص

هل يستطيع الرئيس دونالد ترامب تغيير الشرق الأوسط


* العميد الركن خالد حماده

دخل دونالد ترامب بالأمس البيت الأبيض، معلناً بداية الحقبة الذهبية للولايات المتحدة. فهو ينظر إلى سلطاته هذه المرة بشكل مختلف تماماً عما كانت عليه عشية تنصيبه الأول في عام 2017. لقد واجه فوزه المفاجئ بالرئاسة في ذلك الوقت معارضة شرسة، وكان هو أكثر حاجة لقدامى المحاربين في واشنطن، حيث استمع لتوصياتهم بشأن من يختار وما هي الأولويات. وها هو الآن، بعد أن اختبر الضعف في كل مكان يريد إظهار القوة واستغلال اللحظة بالتحرك في كل الإتّجاهات، وقد تصرّف على هذا الأساس منذ انتخابه حيث يرى في نفسه أفضل المستشارين.

كان ترامب يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر قدرة قبل سقوط نظام الأسد في سوريا، وبات يعلم الآن أن السيد بوتين في وضع مختلف وأن العقوبات الإضافية قد تجبره على التفاوض لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وفي السياق عيّنه يرى ترامب الوقت مناسباً لإجبار قادة إيران على تقديم تنازلات كبيرة بعد أن دمرت إسرائيل كل دفاعاتها الجوية والصاروخية الاستراتيجية و90% من قدرتها على إنتاج الصواريخ الباليستية في ليلة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وفككت قبل ذلك نظام القيادة والسيطرة لحزب لله، ودمّرت معظم قدراته.

كيف ستترجم الولايات المتحدة هذه المكاسب العسكرية إلى نتائج سياسية، ففي غياب بديل لحماس لا تستطيع إسرائيل أن توجده قد تظلّ غزة عبئاً على إسرائيل، وليس انتصاراً؟ فضلاً عن ذلك، يعتقد البعض أن على إيران أن تستعيد قوتها الرادعة من خلال السعي إلى امتلاك السلاح النووي مما يقدّم لإسرائيل الفرصة التي تبتغيها لمهاجمة البنيّة النووية الإيرانية لمنع هذا التهديد.
يؤكد مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط «ستيف ويتكوف» خلال اجتماعه في 11 يناير برئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» أن التهديد موجّه إليه أيضاً، حيث حثّه على تقديم التنازلات اللازمة لتأمين التوصل لإتّفاق. وفي هذا الإطار يصبح الحفاظ على الإتّفاق بعد المرحلة الأولى مهمة أكثر تحدياً. ففيما ستحاول إسرائيل إقناع حماس بالتنازل تماماً عن السيطرة على غزة في المفاوضات المتعلقة بالمرحلة الثانية من الصفقة، والتي من المقرر أن تبدأ في 3 شباط/فبراير، كشرط لإنهاء الحرب، وعدم العودة الى القتال، يؤكد مستشار الأمن القومي لترامب «مايك والتز» أن الإدارة القادمة ستتأكد من تنفيذ المراحل الثلاث لوقف إطلاق النار وإتفاق إطلاق سراح الرهائن. هذا بالإضافة أنّ قدرة ترامب في الضغط على نتنياهو تشير إلى أن الرئيس الأميركي السابع والأربعين سيكون أكثر تصلباً من سلفه إذا استمر رئيس الوزراء في رفض دور السلطة الفلسطينية في غزة ورفض تقديم أي بديل قابل للتطبيق لحكم حماس. وفي هذا الإطار يقول «ويتكوف» في تجمع في واشنطن الأسبوع المنصرم :«إنّ الإتفاقيات الإبراهيمية ليست مجرد إتّفاقيات، إنها مخطط لمستقبل حيث السلام هو المتوقع وليس إستثناءً».

من الواضح أن الحفاظ على وقف إطلاق النار بعد مرحلته الأولى من شأنه أن يعزز فرص ترامب بشكل أكبر. يقول والتز ومساعدون آخرون لترامب أن الولايات المتحدة تريد استخدام وقف إطلاق النار في غزة لوضع الأساس لتوسيع الإتفاقات الإبراهيمية- وتحديداً من خلال النجاح في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. لقد سبق للرياض أن طالبت بإطلاق مسار محدد زمنياً لا رجعة فيه لدولة فلسطينية - وهو ما رفضه نتنياهو مراراً وتكراراً، وهذا يعني أنَ رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يكون أكثر عرضة للضغوط من الولايات المتحدة رئيساً منتخباً فقط، لدى دخول ترامب البيت الأبيض أكثر مما كان عليه عندما كان ترامب رئيساً منتخباً.
ولكن هنا أيضاً، لا ينبغي للقوة أن تكون غاية بحدّ ذاتها. فالقوة قادرة على مواجهة التهديد، لكن الاستراتيجية لا بد وأن تلعب دوراً في إرساء واقع سياسي جديد من خلال تحقيق هدفبن ملموسين خلال العام 2025: الأول أن تنهي إسرائيل الحرب في غزة، وأن تنسحب عسكرياً، بعد إطلاق سراح الرهائن. والثاني أن تخفض البنيّة الأساسية النووية الإيرانية إلى الحد الذي لا يصبح معه السلاح خياراً. من المؤكد أنّ إسرائيل لا تريد تحقيق الهدف الأول ولا تستطيع تجقيق الهدف الثاني بمفردها، ولكن دوراً أميركياً نشطاً قد يحقق كلاً من الأمرين، وهذا من شأنه أن يغيّر الشرق الأوسط إذا استطاع ترامب أن يثبت أنه راغب في إزالة التهديد الإيراني.
 مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

المصدر :جريدة اللواء