الخميس 23 كانون الثاني 2025 06:53 ص

قراءة تحليلية لمشهد هدنة غزة بين التصريحات الدولية والمحلية


* جنوبيات

تسلط التقارير الأخيرة حول هدنة غزة الضوء على مدى تعقيد المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، حيث يتداخل البعد المحلي مع الضغوط الدولية والتوازنات الإقليمية. التقرير الذي أوردته "الحرة" يبرز شكوكًا متزايدة حول استمرارية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وهو ما يعكس هشاشة الاتفاق المؤقت الذي دخل حيز التنفيذ.

أبعاد التصريحات ودلالاتها:

1. ترامب وتشكيكه في الهدنة:
تصريح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن عدم ثقته في استمرار الهدنة يعكس نهجًا براغماتيًا قائمًا على تقليل التدخل الأميركي في النزاعات الإقليمية. بالرغم من أنه لم يحدد جهة بعينها، فإن تصريحاته تحمل إشارات ضمنية بدعم محتمل لأي خطوات إسرائيلية تصعيدية، خصوصًا إذا تضمنت تلك الخطوات تحقيق مكاسب سياسية وأمنية للإدارة الإسرائيلية.

2. تصريحات سموتريتش ونتنياهو:
إعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن ضمانات باستئناف القتال يؤكد أن الاتفاق مع حماس لا يتجاوز كونه إجراءً مرحليًا لتحقيق مكاسب محددة، مثل إطلاق سراح الرهائن. أما تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير واستقالته، فتُظهر انقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن الهدنة، مما يزيد من احتمالية انهيارها.

3. الموقف الفلسطيني:
التقرير أشار إلى قراءة أستاذ العلوم السياسية أيمن الرقب، الذي ربط تصريحات ترامب بدعم أميركي محتمل لإسرائيل. هذا يعكس خشية الفلسطينيين من أن يكون الاتفاق مجرد ذريعة لإعادة ترتيب الصفوف الإسرائيلية عسكريًا، مما يعني أن حماس قد تجد نفسها أمام مواجهة عسكرية أكثر شراسة في المستقبل القريب.

قراءة موضوعية للتقرير الصادر عن (الحرة  في 22/1/2025)

هذا التقرير قدم صورة شاملة عن الأطراف المختلفة ومواقفها من الهدنة، ولكنه يغفل بعض الجوانب المهمة التي يجب التوقف عندها:

1. الدور المصري والقطري:
لم يُذكر في التقرير بشكل كافٍ دور الوسطاء الإقليميين، مثل مصر وقطر، اللذين لعبا دورًا محوريًا في التوصل للهدنة. غياب هذه الإشارة يجعل التحليل ناقصًا، لأن المواقف الإقليمية لها دور كبير في تحديد مصير أي اتفاق بين الطرفين.

2. الوضع الإنساني في غزة:
بينما ركز التقرير على تبادل الأسرى، لم يعرّج بما يكفي على تأثير استمرار التصعيد أو انتهاء الهدنة على الوضع الإنساني الكارثي في غزة، حيث يعاني السكان من الحصار والأوضاع المعيشية المتدهورة.

3. الضغط الدولي على إسرائيل:
رغم الإشارة إلى الضغوط الدولية، لم يتم التعمق في طبيعتها أو مصدرها. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تلعب دورًا أساسيًا في فرض شروط قد تجعل إسرائيل تتردد في التصعيد العسكري.

توقعات المستقبل واستنتاجات:

1. الهدنة ليست سوى استراحة قصيرة:
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تشير بوضوح إلى أن الاتفاق مع حماس ليس سوى هدنة تكتيكية، ما يعني أن القتال قد يُستأنف في أي لحظة بعد انتهاء مرحلة تبادل الأسرى.

2. الموقف الدولي سيفرض قيودًا على التصعيد:
رغم وجود أصوات أميركية وإسرائيلية تدعم العودة للقتال، إلا أن الضغوط الدولية والإقليمية قد تدفع الطرفين لإطالة أمد الهدنة لتجنب انتقادات أوسع.

3. الوضع الإنساني كوقود للتصعيد:
إذا استمرت الأوضاع الإنسانية في التدهور داخل غزة، فإن ذلك قد يكون ذريعة إضافية لتبرير أي تصعيد من  قبل حماس أو إسرائيل.

ختامًا: على ضوء ما سلف، إن المشهد الحالي يعكس توازنًا وهدوءً  هشًا، حيث تتداخل الاعتبارات السياسية والعسكرية مع الضغوط الإنسانية والدولية. تقرير "الحرة" يثير تساؤلات حقيقية حول قدرة الأطراف على الالتزام بهدنة طويلة الأمد، ولكنه يترك القارئ أمام تساؤلات أكبر عن البدائل الممكنة لحل الصراع بشكل جذري.
في ظل هذه الظروف، يبقى أي اتفاق مرحلي مجرد هدنة على صفيح ساخن، مهددة بالانفجار في أي لحظة، ما لم يصار  إلى فتح  أفق  سياسي  لحوار شامل  بين  طرفي  الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي  وبرعاية  دولية واقليمية ورعاية الأمم المتحدة لأجل  التوصل إلى  حل سياسي وقانوني نهائي للصراع،  مستندا إلى قواعد القانون  الدولي وقرارات الشرعية الدولية  بشأنه، وخاصة القرارات  242 و القرار  338  وأسس عملية السلام (الأرض  مقابل السلام)، بما في ذلك القرار  الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين رقم 194  لسنة  1948م

المصدر :جنوبيات