![]() |
الجمعة 14 شباط 2025 09:38 ص |
شطب "الشطب" |
* جنوبيات الكلمات أو المفردات تشكل الإطار الذي يختزن الأفكار والمفاهيم، والتحكّم بها يسمح بالتحكّم بمدى اتساع أو ضيق الأفكار التي تتداولها العامة والنُخَب على السواء. ولأن الفكر لا يأتي من العدم بل ينطلق من معطيات ومفاهيم قائمة، فإن المفاهيم تعتبر المادة الأولية للتفكير، وبالمعنى نفسه تعتبر الكلمات والمفردات أيضًا المادة الأولية الأولى للتفكير. وبالتالي يعتبر التحكّم بها وتحديدها المسبق وسيلة شديدة الفعالية للتحكم بالحدود التي سوف تراوح بينها الأفكار والآراء المتعلقة بأي شأن من الشؤون، وبالتالي وسيلة فاعلة لحكم الشعوب والتحكم بخياراتها في إطارٍ من الحرية الظاهريّة. ولمن لا يعلم أهمية أو خطورة القواميس في صناعة السياسات والسيطرة على العقول والشعوب، عليه ربما قراءة رواية جورج أورويل “1984”. أهم ما بدأ يحصل في هذه المرحلة الانتقالية هو التغيير على صعيد المفردات والتعابير التي حكمت المرحلة السابقة. في السنوات الخمس الماضية سادت تعابير ومفردات تتعلق بالأزمة المالية أو الانهيار المالي الكبير، تمّ ضخّها بشكل منهجيّ ومركّز عبر جميع وسائل التأثير بما فيها الإعلام والتواصل وعلى ألسنة وعبر أقلام خبراء ومؤثرين وإختصاصيين، حتى استقرّت إلى حدّ كبير في العقول على المستوى الجماعي وأصبح بعضها لدى الرأي العام قدرًا لا يمكن دفعه أو على الأقل خطرًا محدقًا تصعب مجابهته.
في مقابلته المتلفزة منذ أيام تناول رئيس الحكومة نوّاف سلام موضوع الودائع، وحين سُئل عمّا يقال عن شطب الودائع قال بأنه ما ينبغي فعله هو "شطب" عبارة "شطب الودائع" من التداول. وهذا القول يكتسي أهمية كبيرة لجهة توجّهات الحكومة الجديدة في التعامل مع الأزمة المالية والحلول التي سوف توضع لها، كما وعلى مستوى المفردات والتعابير التي تصنع الرأي العام والأفكار والقناعات. ذلك أنه لأول مرّة منذ بداية الأزمة بدأت عملية تصحيح المفاهيم عبر "شطب" التعابير التي سادت خلال السنوات الخمس وهذه البداية هي المدخل الصحيح للتأسيس للحلول العادلة التي تقوم على الحق وعلى التعامل معه على أنه أمر لا يمكن المساس به. لم يقتصر ما أدلى به رئيس الحكومة في إطار المفردات التعابير على الموضوع المالي بل تناول مواضيع ذات طبيعة تأسيسية تتصل بالنظام اللبناني نفسه وانحرافاته البنيوية، فكان الدستور ووثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، محور حديثه بما يحمل التوجهات المستقبلية في تقويم مسار الحياة العامة وعمل المؤسسات. في تلك النصوص التأسيسية الحلول للإشكاليات الراهنة المتصلة بزوال الاحتلال وبسط سيادة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية، وتصحيح مسار عمل السلطات الدستورية. وعليه يُتوقّع في المرحلة القادمة غياب الكثير من التعابير والمفردات التي كانت قد ارتبطت بتلك الإشكاليات ونتجت عنها. المصدر :النهار |